لعلّها من قبيل المصادفة البحتة التي يقدّر أوانها ربّ العالمين ، عالم الغيب والشهادة ؛ أن يتزامن حدثان في عالمنا الإسلامي الفسيح في ذات التوقيت، لايقلّ أحدهما عن الآخر في الطابع الإجرامي وطريقة التنفيذ وأيضاً انتهاكهما الهوية الحضارية والثقافية ، رغم أن المنفذين فريقان مختلفان مثل اختلاف موقع الحادثين . غير أن أحد الحادثين انتشر خبره و(طارت به الركبان ) وأعلنته الفضائيات والوكالات ، وانتفض لأجله العالم بقادته ومنظماته وهيئاته ووزاراته ودبلوماسييه ، وحتى دور الإفتاء والفقه كان لها نصيب في الفزعة ضدّه ، وتناولته أقلام وحناجر تنديداً وشجباً واستنكاراً لفداحته وجرأته .
الحادث الأول الذي لم يعلم به الناس ، ولم يفزع له أو يبكيه ويستنكره أحد هو قيام مستوطنين يهود بتدمير وحرق مسجد قرية الجبعة بالضفة الغربية في فلسطين المحتلة وكتبوا على ماتبقّى من جدرانه شعارات عنصرية ، وذلك في أحدث جرائمهم التي لايجرأ أحد على وصفها بالإرهابية مع أن تفاصيلها وعناصر الإرهاب فيها مكتملة وواضحة كما الشمس في عزّ الظهيرة . علماً بأن مسجد الجبعة هو المسجد الوحيد في منطقته ، والمعلومة الأسوأ أنه رفع عدد المساجد التي تم حرقها هناك منذ العام 2014م إلى (13 ) مسجداً ، أقدم الصهاينة على حرقها والاعتداء عليها بكل صفاقة وكذلك اطمئنان من المحاسبة والاتهام بالإرهاب .
أما الحادث الثاني الذي قامت له الدنيا ولم تقعد ، وضجّ له العالم – بما فيه عالمنا الإسلامي الذي لم يحرّك ساكناً تجاه حرق مسجد الجبعة ومعه (13) مسجداً آخر – فهو ( أي الحادث الثاني ) قيام تنظيم داعش بتحطيم وتدمير منحوتات وآثار في متحف الموصل التاريخي تعود إلى حقب آشورية وأكادية وغيرها من حقب ترجع إلى قرون عدّة قبل الميلاد .
غني عن البيان أن أعرض لكم مقارنة ردود الأفعال تجاه الحادثين علماً بأن الحادث الأول – أصلاً – لم تُرصد له أية ردود أفعال ، لكن تبقى هي الحقيقة المحزنة تجاه كثرة من الأحداث والجرائم والاغتيالات والتفجيرات والاعتداءات في عالمنا ؛ تفضح المصداقية وتعرّي المنطلقات .
سانحة :
يقول الشاعر :
قتل امريء في غابة جريمة لاتغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر