راصد

العوارض دون الأسباب

دائما نقول أن تحديد المشكلة هو الجزء الرئيس لحلّها ، وإن تصوّرها على وجه الدقة هو السبيل الأهم لتلافي آثارها والوقوف على أسبابها . وبخلاف ذلك فإن أية حلول لمشكلة دون تحديدها تبقى ناقصة أو نعدّها في خانة الترقيع الذي لايستأصل المشكلة من أساساتها فضلاً عن التداعيات التي قد يسببها هذا النقص أو الترقيع .

ولذلك أعجبتني المداخلة الرائعة للنائب الأستاذة رؤى الحايكي في جلسة النواب بالأسبوع الماضي إبّان مداخلاتهم الحريصة والمخلصة تجاه ظاهرة العمالة السائبة ؛ حيث ركزت – الأستاذة رؤى – في مداخلتها على ضرورة تتبع أصل المشكلة ، وذكرت أن جلّ المناقشات والكلام المثار تجاه هذه العمالة إنما يتناول العوارض ويهمل الأسباب بالضبط مثل المريض الذي ترتفع درجة حرارته فنعمل على خفضها وتلافي آثارها ووقف تداعياتها ، وننسى في خضم ذلك أسباب ارتفاعها ابتداء .

وأعتقد أن مشكلة العمالة السائبة لاتخص الدولة بوزاراتها ومؤسساتها فقط ، ولاتتعلق بالحلول والتشريعات التي يمكن أن يقنّنها المجلس النيابي فقط . هي في واقع الحال مشكلة مجتمعية أسهم الجميع في استفحالها ووصولها إلى حدّ المرض العضال الذي قد تعجز عن علاجه مباضع الجرّاحين وحدهم من دون أن يكون هنالك قبول ابتداء للعلاج ، هذا القبول يتحمّل تبعاته أيضاً أفراد المجتمع !

أفراد المجتمع – ونحن منهم – هم الذين جلبوا هذه العمالة ، وهم الذين أسكنوهم بيننا وأجّروا لهم منازلهم و( حاناتهم ) في أحيائنا ، وتاجروا في تأشيراتهم ، وفتحوا سجلات تجارية وهمية لاستقدامهم . وأفراد المجتمع صاروا يعتمدون على هذا النوع من العمالة لتسيير حتى الصغير من أعمال الصيانة والسباكة والكهرباء وغسل السيارات و… إلخ ، إما لسهولة توفرها أو لرخص أسعارها ، وأعتقد أن القليلين منّا من لديهم الاستعداد للاستغناء عن هذه الوفرة وهذا الرخص .

عصابات المتنفذين استغلوا هذه الحاجة والاعتمادية فأنشأوا من ذلك تجارة تضخمت وتفرّعت و( تفرعنت) في ظل التراخي أو عدم الاستشعار بخطر تنامي المشكلة حتى صارت واقعاً مرَضياً قال عنه أحد كبار المسؤولين في يوم من الأيام (لقد عجزنا) . وهو معذور وليس ملاماً في ذلك طالما أن مناط البحث والدراسة إزاء ظاهرة العمالة السائبة كان ولايزال محصوراً في العوارض دون الأسباب.

سانحة :

أعرف أن كثيرين قد لايعجبهم ( جلد الذات ) ولن يقبلوا إلقاء اللوم عليهم أو تسميتهم طرفاً أساسياً في تنامي ظاهرة العمالة السائبة لكن الحقيقة التي يجب أن ندركها أن هذه العمالة صارت جزءاً من حراكنا ونشاطنا المجتمعي ، ربما بمحض إرادتنا وتدبيرنا ، وإن أي معالجات لاتراعي هذه الحقيقة قد تكون ناقصة ، ولايكتب لها النجاح.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s