ابتداء ؛ فإن وافر الشكر والتقدير لابد وأن نسديه إلى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر الذي أصدر أمره الكريم بوقف إقامة فعالية جمانة حداد فيما يٌسمى بربيع الثقافة احتراماً لغضبة عموم المخلصين والغيارى على المساس بثوابتنا الدينية . ولسنا في مقام مناقشة ردّها على منع فعاليتها لأن أمثالها لا يمكن أن نتوقع منها غير ذلك باعتبار أن كل إناء بالذي فيه ينضح .
غير أنه مما يستوجب ذكره إزاء مثل هذه الفعاليات والأنشطة وطريقة تنظيمها والتعاطي معها هو أن يكون هنالك موقف واحد وآليات واضحة وإجراءات حاسمة تحكم سائر هذه العمليات ، لايُسمح بالخروج عنها أو مجانبتها والشذوذ عنها ، وذلك على أساس أنها توجّه دولة وخط عمل حكومة .
ولذلك فإن مؤسسات الدولة ووزاراتها من المفترض أنها تخضع لمجموعة من القيم والمباديء والأهداف العامة ، تنظم عملها ، وتلتزم بها في سياساتها ، وتنعكس في برامجها ، وتلبي من خلالها طموحاتها وفق منظومة تتكامل فيها جهود جماعية مشتركة غير قابلة لأن تكون قائمة على اجتهادات فردية تكون بعضها محل استنكار ورفض يتدخل لإلغائها – مشكوراً – رئيس الحكومة الموقرة بينما كان الأولى عدم تنظيمها ابتداء نظراً لخروجها عن مجموعة القيم والمبادي والأهداف العامة للدولة .
وفي حالة الثقافة ، وإزاء الخلط الحاصل في مفهومها طوال السنوات القليلة الماضية؛ فإنه بات من اللازم على الدولة أن تعلن لمواطنيها ماهية الثقافة التي يُراد نشرها في ربوع وطننا العزيز ، وبيان الهوية الثقافية التي يجري صرف مئات الآلاف من الدنانير وأكثر ، لأجل ترسيخها في وجداننا والإعلان بين حين وآخر عن كونها – هذه الثقافة – خط الدفاع الأول عن الهوية والانتماء .
الإعلان المطلوب عن مفهوم الثقافة يُفترض أنه يمثل رؤية الدولة ورسالتها في هذا المجال ، ويضع البحرين على خريطة حقيقية للثقافة ويجعل منها بوابة نعرّف العالم من خلالها مقدّراتنا وهويتنا التي لانفرّط بها . وإن ترك الدولة لأن يكون تحديد مفاهيم الثقافة وعناوين هويتها لاجتهادات وأفكار ورغبات شخصية لم يعد شأناً مقبولاً خاصة في الوقت الذي باتت فيه الحروب تستهدف الهوية والانتماء بالدرجة الأولى .
الثقافة التي تريدها البحرين اليوم في ظل الظروف والأخطار الإقليمية المحدقة بها ليست بالتأكيد تلك الثقافة ( المسْخ ) التي تم إلزامنا بها خلال السنوات القليلة الماضية ، مما لاتقوم على أساس بيان مقدّرات العروبة والإسلام ، ولاتخضع لاعتبارات الهوية والانتماء . هذه الثقافة التي صارت – غصباً عناّ – واقعاً مفروضاً ؛ ضاعت فيها القيم وتلاشى منها الفكر وغابت عنها المعلومات وتراجع عنها الأدب ، ولم يبق فيها من الثقافة سوى الاسم ؛ وأصبحت هي باختصار مجرّد ( هشّك بشّك ) يكون في ظاهرها رقص وطرب وسيمفونيات من الشرق والغرب أو الشمال والجنوب ، ولكن في باطنها تغريب وتفريط وتمييع وتضييع لقيم وثوابت ، وإساءة لمقدّرات الوطن الثقافية وانتماءاته الحقيقية واهتماماته وأعرافه وعاداته ، وليست جمانة حداد إلاّ نموذجاً واحداً ، لكنه ليس وحيداً على نوعية هذه الثقافة التي آن الأوان أن تخرج علينا الدولة لتعلن الهوية الثقافية التي دونها خرط القتاد ، ولأجلها تُصرف الأموال ، وبها نجابه الأخطار والملمّات ، وما أكثرها ..