أعرف أنه ليست المرّة الأولى التي يُكتب أو أكتب في هذه القصة وماشابهها ، مثلما أعرف أنني اليوم سأستقبل اتصالات تتضمن قصصاً مماثلة تعرّضوا لعمليات ضاعت فيها فلوسهم و( تحويشة ) أعمارهم مما لايمكن تسميتها إلاّ بعمليات نصب واحتيال – مهما حاولنا تخفيفها – لاتختلف عن غيرها من السرقات والاختلاسات في شيء سوى أن المحتالين لازالوا في مواقعهم مطمئنين رغم الأموال التي استولوا عليها من غير وجه حق من هؤلاء البسطاء المساكين .
القصة التي أعيش جزءا من أحداثها تعود إلى عام 2008م ، أي مضى عليها حوالي سبع سنوات ، حينما نصَبَ بعض المستثمرين بمعاونة أحد البنوك الإسلامية شِراكَهم وأعلنوا إنشاء عمارة جديدة مكونة من (25 ) طابقاً في منطقة حيوية بالمنامة ، وطرحوا بيع شققها للراغبين في التملّك ودخول عالم الاستثمار . ولأن بساطة المواطن البحريني أمام مثل هذه الإعلانات لاتدع له مجالاً للتفكير بأن الموضوع إنما هو ( خدعة ) أو عملية ( احتيال ) خاصة إذا كان مع الطرف الآخر في مشروع البناية هو بنك إسلامي مشهور ، له ذمة مالية تحرص على الحلال وتتجنب المال الحرام فضلاً عن هيئة رقابة شرعية تدقق في سائر ما يتحصله البنك الإسلامي من أموال وتتحرّى أن تكون حلالاً زلالاً ، لاظلم أو غبن فيها ، وفوق ذلك يخضع هذا البنك كغيره من البنوك لرقابة رسمية صارمة من مصرف البحرين المركزي تمنع التلاعب والاحتيال ، وتحفظ حقوق الناس وأموالهم من الضياع في هذه البنوك ، أو هكذا يُفترض لولا أن هذا المصرف قد اعتذر لصاحبنا بعدما فشلت محاولته استرجاع ماقيمته أكثر من (100) ألف دينار ، هي مبلغ تم ( سرقته ) منه نهاراً جهاراً !!
الفصل الأول من القصة كان في بدايات عام 2008م حيث وقّع هذا المواطن عقد شراء شقة من هذه العمارة ( البرج ) ودفع لهم أكثر من (100) ألف دينار ، وذلك على أساس أنه سيستلم شقته بعد حوالي عام ونصف ، بالضبط بتاريخ 30 أكتوبر 2010م ، بحسب النص الموجود في العقد المبرم والموقع بينهما .
والفصل الثاني بدأ مع حلول موعد التسليم المنصوص عليه في العقد دون أن يستلم الشقة ، وهو في العام 2010 ليتفاجأ أن ( تحويشة ) عمره التي جمعها من خالص ماله وعمله ؛ صارت في مهبّ الريح ، الأبواب موصدة والآذان مغلقة رغم وجود نص صريح في العقد يقول : ” إذا لم يتم الاستلام خلال ستة أشهر من هذا الموعد – 30 أكتوبر 2010م – يجوز لمن كان ملتزما بالدفع أن يسترد أمواله المدفوعة ” . غير أن مضي تلك الستة أشهر وفوقها كل هذه السنوات لم تشفع لصاحبنا أن يسترد أمواله ويتخلّص من هذا ( الشراك ) .
وتبعاً لذلك بدأ صاحبنا في الفصل الثالث من قصته ؛ وهو اللجوء إلى القضاء ، رفع الدعوى بتاريخ 10 سبتمبر 2012 ودفع من أجل رفعها أكثر من سبعة آلاف دينار ليصدر الحكم بعد خمسة عشر شهراً بعدم الاختصاص !! وطُلب منه أن يذهب إلى مكاتب التحكيم الخاصة !! وكلنا يعرف التكاليف الباهظة للجوء إلى مراكز التحكيم رغم أنه بحسب منطق الأشياء لاوجود أي حاجة للجوء للقضاء ولا التحكيم في موضوع واضح كوضوح الشمس في عزّ الظهيرة : مجموعة من المستثمرين ومعهم بنك إسلامي أخذوا أموال شخص لغرض معين لم يستطيعوا الوفاء به بعد مرور سبع سنوات ، أليس من حقه استرجاع فلوسه ؟! ناهيك أن العقد بينهما قد نصّ صراحة على استرجاعها بعد ستة أشهر من تاريخ عدم الوفاء بالتسليم !!
في القصة أيضاً مشهد مضحك ومحزن في آن واحد ؛ المشهد عبارة عن وجود نص في العقد يقول ” أنه في حالة نشوء خلاف بين الطرفين الرجوع إلى التحكيم في غرفة تجارة وصناعة البحرين ” . المضحك أن الغرفة لايوجد بها تحكيم ، والمحزن هو وضع نص ( تضليلي ) كهذا في العقد .
وأحسب أن هنالك فصلاً أخيراً يجب أن تقوم به الدولة تنهي به هذه القصة وأمثالها ، ويتكون من مشهدين : أولهما إعادة الحق إلى نصابه فوراً ، ووقف الاستهتار بأموال الناس على هذا النحو ، وحفظ سمعة الاستثمار العقاري ، وإلزام هذا البنك الإسلامي بتنقية أمواله مما ليس له حلّ وحق فيه وإعادة الـ (100) ألف دينار إلى صاحبها . أما المشهد الثاني فهو معاقبة هؤلاء المستثمرين ومعهم بنكهم حيث أن ماقاموا به هو عملية نصب واحتيال مكتملة الأركان ، ولايصحّ في دولة مؤسسات وقانون أن يُعاقب – مثلاً – سارق الكنار بينما يُترك هؤلاء أحرار طلقاء ، لاتثريب عليهم !!