قبل حوالي ثلاث أو أربع سنوات – أقل أو أكثر – ظهرت علينا عبارة كثُر استخدامها والتطرّق إليها في غالب التصريحات والحوارات التي تتعلق بالشأن الاقتصادي ، خاصة حينما يضيق الحال بالموارد وتتعثر جهود ومطالبات تحسين الوضع المعيشي . العبارة المشهورة التي أعنيها هي ( إعادة توزيع الدعم الحكومي بحيث يصل لمستحقيه ) في إشارة إلى أن الدعم الحكومي يستفيد منه الآن الجميع ، وعلى السواء ، الفقراء والأغنياء ، الأفراد والشركات والمؤسسات ، المواطنون والمقيمون . ورغم مضي كل هذه السنوات على استهلاك هذه العبارة إلاّ أن شيئاً منها لم يتم تطبيقه على أرض الواقع لاعتبارات عدّة ، لعلّ أهمها صعوبة تمييز المستحقين الفعليين لهذا الدعم عند التطبيق بالنظر إلى احتماليات مَكْر والتفاف و( حِيَل ) و ( متنفذين ) و… إلخ . وكذلك التخوّف الطبيعي من أن أي زيادة في تكاليف التشغيل والإنتاج سيستتبعها زيادة ( تعويضية ) في البضائع والخدمات !
على أنه في الآونة الأخيرة ، ونتيجة للانهيار الحاصل في أسعار النفط وتداعياته على الحالة الاقتصادية والتوقعات السيئة لانعكاساته ؛ خرجت علينا عبارتان جديدتان ، مرشحتان لأن تأخذان الحيز الواسع من الانتشار والاستخدام ، وقد تأخذان جلّ التداول والاهتمام . العبارة الأولى تقول أو تنادي بـ ( بتقديم الخدمات الحكومية بتكلفتها الحقيقية ) وهي تعني فيما تعنيه تحميل المواطنين كلفة أية خدمة يحصلون عليها من الجهات الحكومية ، هي باختصار قد تعني زيادة أو – ربما – مضاعفة الرسوم ، قد تشمل الكهرباء والماء ، وقد تشمل استخراج التراخيص وتجديدها ، وقد تشمل … إلى آخره مما يمكن أن يُصار إلى إمكانية أن تستوعبه هذه العبارة الفضفاضة .
وأما العبارة الجديدة الأخرى ؛ فهي التي تتعلق بـ ( المحافظة على مكتسبات المواطنين وعدم المساس بها ) حيث كثر رفعها هذه الأيام وإعادة تكرارها في كثرة من المناسبات بصورة اختفت وراءها العبارة الأصلية التي طالما دقّت المسامع ودغدغت العواطف ، ويترقبها الناس وينتظرونها بكل شوق ولهفة ، وهي ( زيادة مكتسبات المواطنين ) .
سانحة :
تواصل معي بعض سائقي باصات الأجرة الذين تم منعهم مؤخراً من دخول المحطات الرئيسية ، وهم الذين استمروا في دخولها منذ عقود من الزمن باعتبارها محل عملهم وتكسّبهم .. لا أعرف كل التفاصيل لكن الذي أعرفه أنه يجب على الجهات المعنية ألاّ تستسهل أو تتجرأ على المساس بالأرزاق من خلال إجراءات وقرارات لاتعمل حساباً للأضرار التي قد يتكبّدها هؤلاء مع عائلاتهم وأولادهم .