راصد

عمومية الغرفة التجارية .. نموذجاً

أحسب أن غرفة تجارة وصناعة البحرين ليست هي المؤسسة المجتمعية الوحيدة التي يتعثر فيها تحقق النصاب القانوني لانعقاد جمعيتها العمومية ، إذ أن هذا التأخير والتعثر يكاد يكون هو – ربما – السمة الأبرز في غالب مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني عندنا حيث انحسرت أو قلّ حماس الكثيرين للانخراط في دوائر ولجان تلك المؤسسات رغم مالها من أهمية حيوية في المجتمعات المدنية المتقدّمة ، تساهم في صنع القرار السياسي والاقتصادي ، ويكون لها تأثيراتها وضغوطاتها التي تجعلها شريكاً أساسياً في تحديد مسارات مختلف القضايا . وذلك في ظل تنامي أدوار مؤسسات المجتمع المدني – على تنوعها – في تلك الدول ذات الديمقراطيات العريقة ممن اعتبرت أن تلك التنظيمات المدنية إنما هي فضاء واسع يملأ الفراغ بين الأفراد والدولة ، أو هي رافد للسلطات التنفيذية والتشريعية ، أو هي في محال الدعم والاستشارة .

صحيح أننا في البحرين قد اكتشف المكوّن الرئيس للمجتمع إبّان الأحداث المؤسفة عام 2011م مقدار خسارته جراّء انعزاله – هذا المكوّن – عن مؤسسات المجتمع المدني وغيابه شبه التام عنها ، وما نتج عن ذلك من تمدّد داخلي وخارجي لآخرين ، لا يمكن لأحد أن ينكر حجم تأثيره حتى على قرارات وتوجهات دول ومنظمات وهيئات دولية . آنذاك انشغل ( التحلطم ) ومعه التحسّر بصورة تخيل معها الجميع أن الانضمام إلى مؤسسات المجتمع المدني وتعويض الفقد ؛ سيكون هو شعار المرحلة قبل أن تبهت تلك الصورة ويتوارى معها ذاك الحماس ، وساعد على ذلك اشتغال ( ماكينة ) إعلامية روّجت – لأسباب ما –  للبعد عن تلك المؤسسات والنأي عنها والدعوة للاستقلالية ، وأن يبقى الوضع على ماهو عليه ، من بعد وقطيعة لم نتعلّم من درسها . وأن يكون فقط مجرّد بضع مؤسسات وجمعيات ، فاقدة للنبض والحياة ، إلاّ من بعض أشخاص وبضع أنشطة ( عن العين والنفس ) وفقط .

المحزن في حالة غرفة تجارة وصناعة البحرين أنها للتو ، في الأسبوع الماضي فقط قد احتفلت بيوبيلها الماسي ، أي مرّ على تأسيسها (75) عاماً ليتفاجأ الجميع بأنها – بعد كل هذه العقود من السنين – غير قادرة على لملمة جمعيتها العمومية ، ولم ينتظم لاجتماعها إلاّ الحد الأدنى المقرر في لوائحها ، (201) عضو من مجموع يتعدّى ( خمسة آلاف ) عضو !! والأسوأ أن ( ثلث ) مجلس إدارتها لم يكن من بين الحاضرين !!

 مما يحزن أيضاً في الأمر أن الغرفة التجارية – كمثيلاتها من غرف العالم – هي الحاضن الأول لرجال الأعمال والمستثمرين ، وهي أحد أهم أيادي الدولة في تسيير دفتها الاقتصادية ، وهي ( مردّ الراس ) في شؤون التجارة والاستثمار وما إلى ذلك من نواحي هامة وحيوية يُفترض أن للغرفة التجارية سطوتها وتأثيرها الحقيقي – وليس الإعلامي _ على مجمل تلك الشؤون لولا أن غرفتنا ، وعلى مدار السنوات الماضية لم تستطع تحقيق هذا الإنجاز في دنيا الناس ، لم تكن قريبة من التجار أنفسهم مثلما أنها لم تكن قريبة من الناس ، واكتفت على مايبدو بأشياء رسمية وبروتوكولية عمّقت الفجوة بينها وبين تجارها ، وبينها وبين ناسها ، فأصبحت جمعياتها العمومية لا يكتمل نصابها إلاّ على هذا النحو البائس الذي رأيناه . بالطبع نستثني انعقاد جمعياتها العمومية لأجل انتخابات مجالس إداراتها ، فتلك الاجتماعات يجري الحشد لها بطريقة أخرى ، لاتتعلق بإنجازات المرشحين أو برامجهم وخططهم ، ولا قربهم من مشاكل التجار والناس ، إنما يجري الحشد في غالبه على أساس طائفي أو نخبوي أو ماشابه ذلك من تداعيات تسهم في أن يبقى الوضع على ما هو عليه .

 الغرفة التجارية نموذجاً للعديد من المؤسسات والجمعيات التي تحتاج أن تحييها الدولة عبر توجهات تدعم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى ، وتجعل من المجتمع المدني ركناً أساساً في بناء الدولة بالضبط كما هو حال بقية الدول الديمقراطية .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s