هو صحابي جليل يُكنى أباعمر، شهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم مواقف وأحداث كثيرة ، تعلّم من مدرسته عليه الصلاة والسلام ، هو من أهل بدر الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اطلع الله على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ” وشهد غزوة أحد ، وكان من الصحابة الأنصار السبعة الذين ثبتوا مع المصطفى عليه الصلاة والسلام وأحاطوه بأجسادهم دفاعاً وحماية له .
ويُحكى عن الحباب بن المنذر رضي الله عنه قصة – اشتهر بها – في ناصع بياض تاريخنا الإسلامي ، أضحت درساً يُتلى في باب القيادة والجندية أو باب تعامل الزعيم مع رعيته أو باب قبول الرأي والرأي الآخر أو باب الشورى ، أو سمّوه ما شئتم من مسميات أسسها المصطفى صلى الله عليه وسلم وجعلها قيماً حضارية ثابتة في سلوك المسلم قبل أن تدعو العلوم الحديثة لاتخاذها نهجاً في القيادة وتتبناها نظريات الإدارة والاستراتيجيات كممارسات ومهارات مهنية أطلقت عليها مصطلحات مثل ( العمل الجماعي ) أو ( فريق العمل ) أو ( العمل المؤسسي) عزَتْ إليها أسباب النجاح والتفوّق .
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزوة الشهيرة ، بدر ، قد جمع معلوماته وبياناته عن قوات قريش ، وقرر أن يسير بجيشه إلى ماء بدر ، وليَحُولوا بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عند أدنى ماء من مياه بئر بدر . وهنا قام الصحابي الجليل الحباب بن المنذر، وقال: يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: “بل هو الرأي والحرب والمكيدة” قال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض يا رسول الله بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم- أي جيش المشركين- فننزله ونغور – نخرب- ما وراءه من الآبار ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون .
وهنا لم يستصغر القائد عليه الصلاة والسلام رأي الحباب ، ولم يتكبّر على قبول نصحه ، ولم يغضب لتدخله أو اعتراضه على قراراته وخططه ، ولم يشأ أن ينفرد برأيه ، بل أعلن النبي صلى الله عليه وسلم أمام جيشه صواب رأي الحباب بن المنذر ، وأخذ بمشورته ، ونهض بالجيش حتى أقرب ماء من العدو فنزل عليه، ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من الآبار ، وكان ذلك الموقع من أحد أسباب النصر . ثم مضت مشورة هذا الصحابي الجليل عنواناً لدرس مرجعي يتم استدعائه لإثبات أن لكل فرد من أفراد المجتمع حرية إبداء رأيه ، وأنه أمام الصواب والحق تتصاغر مفاسد الاستعلاء والغرور حتى في أحلك الظروف كحالة الحرب مع الأعداء مثل غزوة بدر .
سانحة :
مقاسات الناس حدّدها ميزان أبوالطيب المتنبي عندما قال :
على قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العزائِمُ |
وتأتي علَى قدْرِ الكِرامِ المَكارمُ |
وتَكبرُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها |
وتصْغُرُ في عَين العظيمِ العظائِمُ |