في الواقع أن لدينا كل شيء على الورق جميل ومبهر ، بل فائق الدقة والاحترافية ، لكنه في الواقع سرعان مايكون معضلة ، وعادة ما تكشف ضعفه المشكلات والأزمات . ثم يبقى المتضـرّر الأوحد أو الأكبـر في هذا الشـيء ؛ هذا المواطن .
اعتدت أنه أمام أية مشكلة أو ظاهرة يجري إثارتها أن أبحث عن مدى وجود مرجعية قانونية لها ، تنظمها وتحكم طريقة معالجتها ، وفي الغالب أكتشف أن هذه المرجعية متوفرة ، إما على شكل قانون أو لوائح تنفيذية أو قرارات وزارية ، وذلك بصورة أصبحت معها على قناعة شبه تامّة أنه لاتنقصنا أية قوانين ولسنا بحاجة إلى تشريعات إضافية بقدر حاجتنا إلى استغلال تطبيق ماهو موجود ومعتمد حالياً . وأكاد أجزم أن البنية التشريعية متكاملة عندنا في شتى المجالات ، صغيرها وكبيرها لكن المشكلة في منظومة تطبيقها وكيفية إدارة تنفيذها وتفعيلها .
في بداية هذا الأسبوع ؛ ظهر علينا مجلس بلدي المحرق – مع كامل احترامنا وتقديرنا لرئيسه وأعضائه – بتصريح صحفي يقولون فيه أنهم اكتشفوا وجود مقاهي ومطاعم في بعض المنتجعات والمجمعات التجارية بالمحرق تتحول مساءً إلى مراقص بفرق ومغنيين ومناهل ، وتستمر مفتوحة حتى الفجر ، تُقدم فيها المشروبات الكحولية من دون ترخيص أو أدنى رقابة عليها ، وهي موجودة وسط أماكن عامة يرتادها حتى الأطفال ، والأمر نفسه مع الشيشة .
هذه المخالفات التي اكتشفها بلديون بمعية نواب – حسب التصريح الصحفي – لاتحتاج إلى تفصيل أو إثبات تجاوزاتها ، فقد نظمت اللوائح أمور الترخيص واشتراطاته ، وبالذات في القرار الوزاري رقم (83) لسنة 2006 بشأن اشتراطات المقاهي والمطاعم التي تقدم التبغ ومشتقاته لأغراض التدخين ، وجاء في بنده العاشر ما يلي : ” يجب الالتزام بعدم فتح المحال المشار إليها ( المقاهي والمطاعم ) في المناطق السكنية بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً وفي المناطق غير السكنية بعد الواحدة ليلاً ” . ونظم كل ذلك أيضاً ، وبالتفصيل ( الممل ) القرار الوزاري رقم (2) لسنة 2011 بإصدار الاشتراطات الواجب توافرها في المطاعم والمقاهي وغيرها من المحلات التي تقدم التبغ ومشتقاته لأغراض التدخين بالإضافة إلى قرارات أخرى تتعلق بالمطاعم السياحية وما شابهها من نظم ولوائح تثير علامات استفهام واستغراب عن سبب وجود هذه التجاوزات رغم هذا الكمّ من القرارات واللوائح !
على أن الأسوأ أن هذه المخالفات والتجاوزات ستظل باقية ، وأتوقع أنه سيصعب إزالتها حتى بعد أن اكتشفها بلديون ونواب وأعلنوا عنها منذ أسبوع ، لالشيء سوى أن بوصلة الجهة المسؤولة عن تطبيق القانون والقرارات صارت غير معروفة ، وذلك في ظلّ أن الجميع صاروا يطالبون ويدعون ويناشدون بحيث أنه لم يعد معروفاً على وجه الدقة جهة تنفيذ تلك المطالبات والدعوات والمناشدات !!
سانحة :
إنها حالة غريبة – ربما ننفرد بها – وهي أن تتسع دائرة الكلام وتوجيه الانتقادات لتضم في جنباتها حتى أصحاب القرار ومتخذيه بينما تضيق دائرة الفعل ويجري الهروب أو التسرّب منها حتى يُتصوّر أنه لا أحد فيها !!