غالب فكرة مقالي اليوم وكلماته سبق لي طرحها في عمودي المتواضع ، وأعرف أن البعض سيتحسس منها لكنها قناعتي التي أهدف من خلالها أن يزداد الوعي أكثر فأكثر بمسؤولية ودور النواب ، والذين هم في واقع الأمر مجموعة من المواطنين مثلنا جميعاً ، شاء القدر أن يسعوا لأن يكونوا في طليعة من يمثلون الناس في مناطقهم ، فرشحوا أنفسهم لنيل أحد مقاعد مجلس النواب ، اختارهم الناخبون ووضعوا فيهم ثقتهم وحمّلوهم آمال وبنوا عليهم أمنيات ، ثم دفعوا بهم ليتصدّروا المشهد العام في المجتمع ، سواء في وسائل الإعلام أو في المجالس أو في الأندية أو الجمعيات أو المدارس أو الجامعات أو ما شابهها .
وصارت هذه المجموعة من المواطنين بعد انتخابهم ؛ يُشار إليهم بالبنان ، وهم محطّ الأنظار وكذلك ( علش لسان ) يصعب أن يغيب ذكرهم في أي ناد أو مجلس أو تجمع أو صحيفة ، بل صاروا حديث من ليس لديه موضوع ، وكذلك مصدر إلهام للصحفيين والمغرّدين و( الفوسبوكيين ) و( الواتسبيين ) ومثلهم حينما تنقصهم أو تغيب عنهم الأفكار و( البرودكاستات ) ، ويلاحقهم الحاسدون والخاسرون من المنافسة الانتخابية بالنقد والمحاسبة ، سواء بالحق أو بالباطل .
وارتفعت أمام هؤلاء المواطنين ( النواب ) أسقف مطالبات الناس . فمثلاً ؛ يُراد منهم أن يحلّوا الآن مشكلة الإسكان بعدما طافت قوائم الانتظار المتحصلة منذ عقود من الزمان أرقاما قياسية تجاوزت – ربما – الخمسون ألفاً . ويُراد منهم أن يوظفوا العاطلين وأن يدرّسوا في الجامعات والمعاهد ما تدفع به المدارس من خريجي الثانوية العامة والخاصة . ويُراد منهم إدراج قوائم فقراء ومعوزين ومعاقين ضمن مستحقي الضمان والمساعدات الاجتماعية . ويُراد منهم محاربة الغلاء وزيادة المكافآت والعلاوات و- ( الأهم ) – الرواتب . ويريد البعض منهم حتى تسديد فواتير الكهرباء والماء والهاتف ، بل بعض الناخبين لا يتورعون حتى عن تعييرهم أو المنّ عليهم بأنهم أعطوهم أصواتهم.
ويُراد منهم معالجة مشكلات المتقاعدين والصيادين والرياضيين وأصحاب الأجرة والمعلمين ومدرّبي السياقة والممرضين والأطباء و(المرضى) والمهندسين والقصابين و(القائمة تطول ) . ويُراد منهم إنشاء مدارس أو فتح مراكز صحية أو إقامة مرافيء أو حدائق أو شقّ طرق أو رصفها أو وضع إشارات أو مرتفعات أو إنارة شوارع أو تسميتها . ويُراد منهم أن يصبحوا مخلّصي خدمات وإنجاز معاملات في الوزارات والهيئات . ويُراد منهم معونات موسمية أو طارئة . ويُراد ويُراد منهم الكثير الكثير من الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية والإسكانية والبلدية ( لافرق ) و( التشغيلية ) والمساعداتية و( الواسطية ) وما شابهها من شكاوى ومقترحات وطلبات يُعذر أصحابها بشأنها لتزايد الأعباء المعيشية وتضخم الحاجات مع قصور العمل المؤسساتي في الوزارات والهيئات عن احتوائها ، وبالتالي لايجد المواطنون لقضاء حوائجهم وحل مشكلاتهم وتنفيذ طلباتهم غير هؤلاء الذين انتخبوهم، فيراكموا عليهم من قضايا وطموحات ( مالله به عليم ) .
ويُراد منهم أيضاً في مقابل كل هذه الطلبات والخدمات أن تكون لهم مكانة وهيبة ، يخاف منهم الوزراء والمسؤولون . يريدونهم سيوفاً مسلّطة على أداء الوزارات والمؤسسات ، باعتبار أن ذلك من صلب اختصاصاتهم وصلاحياتهم الذي يُراد منهم عدم التهاون فيها ، فيكون النواب في كثير من المواقف والقضايا أمام جدلية العنب والناطور ، أي أمام معضلة تحقيق التوازن المطلوب للتماشي مع المثل الشعبي : هل نريد جني العنب أو قتال الناطور؟!
سانحة :
وإزاء هذه المعضلة يكون الخوف حاضراً على الدوام من الفشل في جني العنب وبقاء الناطور.