في الصيف الماضي ؛ كانت زيادة الرواتب هي القاسم المشترك في جميع البرامج الانتخابية التي شهدتها الساحة المحلية ، وكانت من أهم المحاور الرئيسية التي دفعت الناس للمشاركة في الانتخابات وتجاوز حالة الإحباط خاصة وأن عموم المواطنين لايعدّون أي إنجازات للمجلس النيابي – مهما كثُرت أو تعاظمت – مالم يكن من بينها مالاً إضافياً يدخل في جيوبهم ويزيد من مداخيلهم . وإذا شئنا الدقة فإن الشعار الانتخابي المرفوع آنذاك ( بصوتك تقدر ) كان دائماً مايجري استكماله بإضافة عبارة ( تزيد راتبك ) ليكون بعد الإضافة ( بصوتك تقدر تزيد راتبك ) .
آنذاك ؛ ارتفعت توقعات المواطنين وانتعشت آمالهم وزادت وتيرة أمانيهم في أن زيادة في رواتبهم ستكون قريبة ، وستتحقق بعد انتظار ، وستسهم هذه الزيادة المرتقبة على الأرجح في تعديل بعض الشيء في سويّة معيشتهم وتجاوز مافيها من مصاعب ومشكلات جعلت من رواتبهم أشبه ما تكون بالمحنة الشهرية الصعبة ، لايعرفون كيفية تجاوزها والمرور منها ، وكيفية تصريفها مابين تسديد أقساط ودفع إيجار وديون ونفقات مدارس وأعياد وشهر رمضان ، ومثلها أعباء متزايدة لاتصمد رواتبهم أمامها ولاتبقي شيئاً منها ، فضلاً عن ادخار جزء منها لمواكبة مستقبل أبنائهم أو تحوّطاً لأية ظروف طارئة .
في الواقع أيضاً لم يكن الموظفين وحدهم من انتعشت عندهم هذه الآمال ، وإنما تبعهم في هذه الأمنيات المتقاعدون الذين يرفعون على الدوام دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ” اللهم أجعل أوسع رزقي عند كبر سني ” وهم يشعرون في تالي أعمارهم بأنهم لايستطيعون مواصلة حياتهم ولاتحمّل أعباء معيشتهم ، الديون والقروض تلاحقهم ، حاجات أسرهم وأبنائهم تحاصرهم ، وهم بأمراضهم أو ضعف صحتهم لايجدون من يرحمهم بعدما كان المفترض أن يعيشوا مرتاحين أو مرفهين أو ميسورين أو – على الأقل – لديهم كفايتهم في أواخر أعمارهم .
غير أن كل تلك الأحلام والأمنيات قد صار مآلها الآن إلى مواجهة صخرة كبيرة اسمها أزمة انهيار أو انخفاض أسعار النفط ، وتداعيات عجوزات ومديونيات جعلت تلك الطموحات موضوعاً مؤجلاً أو ليس في وارد الكلام عنه ، وبرز على السطح أحاديث تدعو إلى المحافظة – قدْر الإمكان – على المكتسبات الحالية فقط ، بل وأحاديث تقول بما يعني ” خلّونا نستطيع أن نستمرّ نصرف رواتب الموظفين بدون أزمة فيها “
في الواقع إن السلطتين التشريعية والتنفيذية هما تجاه ذلك في أزمة أو موقف لايُحسدون عليه ، وسيكونون إبّان نظرهم لمشروع الميزانية الجديدة أمام تحدّ كبير نأمل لهم التوفيق في اجتيازه وتخطّيه . لكن الأسوأ منهما في موقفه ؛ هو هذا المواطن الذي يُقال له الآن : اصبر ياصابر .
سانحة :
“الغُرم ” في لغة العرب يأتي بمعنى (الدَّين) ، ومنه قوله تعالى :” والغارمين وفي سبيل الله ” ومنه في الحديث : ” أعوذ بك من المأثم والمغرم” ويُقصد به عموماً الضرر. وأما “الغُنم ” في اللغة فهو الفوز بالشيء بلا مشقة . ويُستعمل الغُنم مقابل الغُرم ولذلك نشأت قاعدة في الفقه تقول ” الغُنْم بالغُرم” ومعناه ” إن من ينال نفع شيء يتحمّل ضرره ” . لكن على مستوى أسعار النفط تم إهمال هذه القاعدة ، وحدث فصل كبير بين طرفيها بحيث اعتاد المواطن على معيشة (الغُرم) حينما تنخفض هذه الأسعار ، وتغيب عنه فرص الفوز (بالغُنم ) حينما ترتفع أسعار هذا النفط !!