تحصّل مقالي في عمودي المتواضع بالأسبوع الماضي عن ضرورة نشر ثقافة اللجوء إلى القضاء الإداري على أصداء لم أتوقع لها كل هذا التفاعل ، خاصة من حيث تداوله في وسائط التواصل الاجتماعي . غير أن هاتفي قد استقبل أعدادا من مكالمات موظفين وموظفات ارتأوا أن مقالي قد لامس جروحهم ودق على آلامهم ومعاناتهم في أعمالهم ومدارسهم . بعضهم استغرق في تفاصيل مشكلته في عمله ومقدار السوء الذي يواجهه من مسؤوليه أو بيئة العمل التي يتواجد فيها لدقائق تراوحت بين العشر الدقائق وبعضهم قارب خانة الساعة إلاّ قليلا ، وبعضهم أو للدقة بعضهن خانتهن العبرات جراء حالات المضايقات والتطفيش التي يمارسها مسؤولوهم دون خوف من الله أو مراعاة لأرزاق هؤلاء الناس الذين يعتمدون على وظيفتهم في سدّ حاجات أسرهم ومصدر دخلهم وتربية أبنائهم من غير أن يتوقعوا مذلّة أو امتهان أو احتقار أو … إلخ .
قصص وحكايات يصعب تصديق حدوثها وأجواء يتحكم فيها المسؤول في موظفيه ويمنع أو يهددهم من الوصول إلى من هم أكبر منه أو من الوصول إلى الوزير ، ويحرض ضدهم أو يتوعدهم أو يتركهم عرضة لتسلط جوقته من المتمصلحين وحمّالة المباخر أو أصدقائه من ( رفجة الليل ) ، فتتوقف ترقياتهم أو يتعرضون للإهانات أو ما شابه ذلك من ممارسات استفزازية وأحيانا صبيانية تستوجب من الدولة ووزارئها أن يحسنوا اختياراتهم في من يولونهم هذه المسؤوليات ، فلايسلمونها إلا للأسوياء ممن لديهم كفاءات علمية وكفايات أخلاقية في ذات الوقت ، يحترمون الآخرين ويقدّرونهم ، يعدلون ولايظلمون ، لايحملون روح عداء وغطرسة ، ولايهوون ممارسة الظلم والفوقية ، يخدمون المكان والموظفين ولايملكونهما.
أكثر من تواصل معي استصعبوا فكرة اللجوء إلى القضاء الإداري أو بالأحرى أبدوا تخوّفاتهم من البوْح بمشكلاتهم أو حتى نشرها ، واكتفوا بـ (الفضفضة ) فقط ، لما يتوقعونه من بطش أو عقاب سيضاعف معاناتهم في مواقع أعمالهم وسيزيد حالة التعسف ضدّهم ، وإزاء مثل هذا الوضع فإن فكرة إنشاء ديوان أو لجنة للمظالم تبدو واقعية أكثر مع توفير ضمانات حقيقية تطمئن الشاكين واللاجئين إليه ألاّ يترتب على شكواهم وتظلماتهم أي مساس أو يلحق ضرر بهم .
وأعتقد أنه إلى أن يُبت في هذه الفكرة يجب على الوزراء وعموم المسؤولين خاصة أولئك الذين يتبعون نهج الإدارة المركزية ؛ أن يفتحوا مكاتبهم لجميع موظفيهم ، وأن ينزلوا من شاهق أبراجهم ، وأن يتخلصوا من حواجز وسواتر الـ ( ملق ) التي تمنع تواصلهم مع الموظفين أو تلك التي تتصرّف وتتحدث باسمهم فيما قد لايعلمون عنه لالشيء سوى أن هؤلاء الوزراء والمسؤولين قد وضعوا حول أنفسهم ( عزلة ) و ( هالة ) لاتنقل لهم إلاّ مايرونه ومايريدونه و ( كل شي تمام ) .