من غرائب أو متناقضات الأمور التي يصعب تفسيرها أو إيجاد أي مسوّغ يصلح لتمريرها ؛ هو أن جهات ما – قد تكون منظمات أو جمعيات أو صحف ووسائل إعلام –تقيم الدنيا ولاتقعدها بسبب أمور أو أحداث معينة تحسبها مساساً وتسميها انتهاكا لحقوق وحرمات ، فتصدر بيانات وتعلن مواقف وتدبّج كتابات وتحرر آراء ، لكنها أمام أمور معينة وشبيهة تتفاجأ بأنها تلوذ بالصمت أو تقوم إزاءها بحركة ( اعمل نفسك ميت ) وبطريقة غالباً لايمكن تفسيرها إلاّ بما يسمونه ازدواجية المعايير وتهافتها لأجل مطامح غير بريئة .
ومن هذه المواقف ، مواقف ( اعمل نفسك ميت ) هي حالة الاعتداءات التي تتعرض لها مدارسنا في مختلف المناطق ، وهي اعتداءات تشمل التخريب أو الحرق أو التكسير أو رمي ( مولوتوف) أو ماشابهها من أعمال عبث تنتهك حرمة هذه الأماكن وتروّع أصحابها ، ولايوجد مايبررها ويبرّر استمرارها على هذا النحو الذي أعلنت وزارة التربية والتعليم يوم أمس الأول أن عدد الاعتداءات على المدارس قد جاوز (427) اعتداء لكم أن تتصوروا أضرارها المعنوية على مجمل العملية التعليمية وعناصرها ناهيكم عن التكاليف المالية المترتبة على أعمال التعويض والتصليح والترميم في ظل موارد مالية تعاني من الشح والنقص .
حوادث الاعتداء على المدارس ؛ باتت – أو كادت – حالة شبه يومية ، وتحوّلت ضمن أخبار الحوادث المعتادة في صحفنا ووسائل إعلامنا ، ضمن الأخبار التي كانت فيما مضى من الزمان مفزعة ومثيرة ، وتستقطب الاهتمام فيما هي الآن نكتفي بقراءة عناوينها – إن قرأناها – فقط . ولاتحرّك ساكناً بالذات في تلك الأصوات والقراطيس التي لاتفتأ تتكلم عن انتهاكات هنا أو اختراقات هناك رغم أن سائر معايش الناس ومرافقهم ينبغي التعامل معها كخطوط حمراء ، تكون حميتنا تجاهها ودفاعنا عنها في نسق واحد من الاستنكار والإدانة عند التعرّض لها ، وأن تكون مشاعرنا جيّاشة تجاه المساس بها .
سانحة :
ولأن طريقة ( اعمل نفسك ميت ) صارت أسلوب متبع عند البعض فإن القادة الإيرانيين ، وعلى رأسهم مرشدهم الديني عندما ذكر مؤخراً وقال : ” إن مشركي مكة كانوا يكفّون عن الحرب في الأشهر الحرم ، والأسوأ من مشركي مكة في ذلك الوقت هم الذين يجعلون العوائل اليمنية تتفجع على فقد أحبتها ” قد نسى عوائل في بلدان أخرى ، ومنها العوائل السورية التي تُرمى عليها ليس القنابل وإنما البراميل المتفجرة ، وفجيعتها لاتضاهييها إلاّ حروب هولاكو ، مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمشردين لم تُراع فيهم حرمة الدماء فضلاً عن حرمة الأشهر الحرم .. سقطت العائلات السورية من تصريحاتهم لالشيء سوى ( اعمل نفسك ميت ).