غالب الظن – والله أعلم – أن القرار أو الكلام عن الآلية الجديدة لرفع الدعم عن اللحوم إنما هو أشبه بالفزاعة التي يجري استخدامها من حيث الموضوع والتوقيت لشدّ الانتباه وصرف النظر عن أية أمور أخرى يمكن أن ينشغل بها عموم الشارع في هذا الوقت العصيب ( اقتصادياً ) .
وإن مزامنة طرح هذا القرار مع وجود مشروع الميزانية لدراسته واعتماده في المجلس النيابي ربما جاء ليكون هو الشغل الشاغل عن أية أمور أخرى ، وربما لتُغلق الأبواب أمام أية مطالبات متزايدة تتعلق بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين خاصة زيادة رواتب أو زيادة علاوة الغلاء وعلاوة المتقاعدين وعلاوة الإسكان وعلاوة المعاقين وماشابهها من أمنيات وتعديلات تعلّقت عليها آمال الناس وطموحاتهم طوال الفترة السابقة ، وصاروا يترقبونها على أحرّ من الجمْر لتعديل سويّة معيشتهم .
إن ظهور مثل هذا القرار ومايتعلق بموضوع الدعم وكذلك طرح فكرة إعادة تقييم كلفة الخدمات الحكومية ليكون تقديمها بسعر تكلفتها هي بمثابة زوبعة ستنتهي في الغالب بأن يبقى الوضع كما هو ، وسيصل الجميع في نهاية المطاف إلى نتيجة مفادها أقبلوا بالموجود ، ولا تطلبوا شيئاً أكثر . وأن سائر مطالباتكم وأمنياتكم الأخرى لامحلّ لها من الإعراب ، وستظل مؤجلة كما كانت !
وتوقيت هذا القرار ومعه هذا الكلام يذكرنا بقصة مشهورة موجودة في التراث الشعبي اليهودي باتت مثلاً يُستخدم أو إجراء وخطوة معمولا بها في عالم السياسة والاقتصاد ، ويجري اللجوء إلى فكرتها في معالجات وحلول كثرة من القضايا والمشكلات ، بطريقة أو بأخرى لكنها تفضي إلى ذات النتيجة .
تقول هذه القصة إن رجلاً فقيراً ضاقت في وجهه السبل وعجزت به الحيلة وقصُرت عنده ذات اليد ، فهو يعيش في غرفة صغيرة مع زوجته وعدد من الأولاد والبنات ، فطرق أبواب رئيس البلدية ، والمحافظ ، وعدد من المسؤولين على أمل أن تتحسن ظروفه ويجد منزلاً أكبر ولكن دون جدوى، فقرر الذهاب إلى الحاخام في منطقته كملاذ أخير.
الحاخام رحّب به وأبدى استعداده لمساعدته ، وأن يجد له حلاً شريطة أن ينفذ كل توصياته دون جدال أو مساءلة ، فوافق هذا الفقير على ذلك مكرهاً ومتفائلاً، فقال له الحاخام إن أول شيء يجب أن يفعله هو الذهاب إلى السوق وشراء ( معزة ) ، فصاح مستنكراً ولكن أين أضعها ؟ فليس هناك إلا الغرفة إياها. فذكّره الحاخام بالاتفاق بينهما ، وطلب منه العودة بعد أسبوع ، فرضخ صاغراً.
بعد أسبوع عاد هذا الفقير والغضب واليأس واضحين على وجهه ، وبدأ في الشكوى من أوضاعه التي ازدادت سوءا ، (فالمعزة ) صارت ترفس الأطفال ، وتدوس في بطونهم ، وتحرمهم من النوم بصوتها ، فضلاً عن أشيائها الأخرى . فأوصاه الحاخام بشراء ( معزة ) أخرى ! وطلب منه أن لا يسأل أو يتذمر مذكراً إياه في الوقت نفسه بالاتفاق السابق بينهما.
في الأسبوع الثالث سأله الحاخام كيف الحال ؟ فقال له :(زفت وطين ) كنّا بـ (معزة ) وأصبحنا باثنتين ، ورائحة البيت أصبحت نتنة ، والنوم طار من عيون الجميع ، فطلب منه الحاخام شراء الثالثة. في الأسبوع الرابع عاد الرجل الفقير والشرر يتطاير من عينيه ، فلم يسأله الحاخام عن أحواله ، بل بادر بالقول إنه يتفهم معاناته ، ولذلك يريد أن يساعده وطلب منه بيع واحدة من ( المعيز ) الثلاث ، والعودة إليه بعد أسبوع ، فتنفس الرجل الصعداء.
في الأسبوع الخامس طلب منه بيع (المعزة) الثانية ، وفي الأسبوع السادس طلب منه بيع ( المعزة ) الثالثة ، ثم سأله كيف الأحوال الآن، فقال إنها نعمة كبيرة أصبحنا ننام قريري العين ، لا (معيز) ولا رفس ، ولا (بول ولا بعر) الحمد لله الأوضاع أفضل كثيراً من السابق ، هذه هي الحياة و( إلا بلاش ) .