لا أحد يطرب لسفك الدماء ، أو يفرح بسلب حق الحياة أو الاعتداء عليه ، أو يأنس بترويع الآمنين ، حين تتهدم جدران منازلهم أو دور عبادتهم فوق رؤوس أهلها وساكنيها ، أيّاً كانت دياناتهم ومذاهبهم ، فمثل تلك الجرائم مرفوضة لمخالفتها الفطرة البشرية السوية أولاً ثم لخروجها على تعاليم الدين الحنيف التي تحفظ الدماء والأعراض والأموال ، وتفرض الأمن والأمان فضلاً عن أن هذا الإطار الأخلاقي والقيمي هو حق إنساني وشريعة عامة تشمل البشر باختلاف مللهم ونحلهم ، يتساوون في حفظ أرواحهم ودماءهم ، ولا يجوز استرخاصها وإباحة انتهاكها .
وعلى ذلك فإن التفجير الإرهابي الذي وقع مؤخراً في أحد مساجد القطيف بالمملكة العربية السعودية هو تفجير آثم ومدان ، أيّاٍ كانت الجهة أو الجهات التي تقف ورائه . وثقتنا – كل الثقة – في القيادة الحكيمة والحازمة في بلاد الحرمين الشريفين حفظها الله بأنها قادرة على كشف ملابسات هذا التفجير والقبض على طغمة منفذيه . سواء كانوا من داعش أو من القاعدة أو ما شابهها من تنظيمات متطرفة أو – كذلك – من جهات أو أجهزة استخبارات أو مجندين لزرع الفتنة الطائفية والمساس بأمن بلاد الحرمين لتحقيق أهداف سياسية معينة ليس مستبعداً الإقدام على ارتكاب مثل تلك الجرائم لأجل الوصول إليها خاصة بالنظر إلى حوادث تفجيرات مماثلة حصلت في السنوات القليلة الماضية ، وأفرزت حالة من الفوضى والمبرّر والسبيل للاقتتال الطائفي .
وليس تفجير المرقدين العسكريين في سامراء بالعراق في عام 2006 إلاّ أحد النماذج في هذا المجال ، نماذج افتعال أزمة وإشعال فتنة وإضعاف العراق . وقد اعترف بذلك الجنرال جون كيسي الذي تولى مهمة قيادة القوات الأمريكية في العراق للفترة من 2004 ولغاية 2007 ثم أصبح رئيس أركان الجيوش الأمريكية المشتركة للفترة من 2007 ولغاية 2011 حيث قال بتاريخ 22 يونيو 2013 في مؤتمر المقاومة الإيرانية المنعقد في باريس أن “ايران والحرس الثوري وفيلق القدس هم من فعل ذلك ” وأضاف أن ” رئيس الوزراء نوري المالكي أبلغه أن غالبية الأهداف المدنية المفجرة هي من مسؤولية الحرس الثوري الايراني والميليشيات العراقية التي تتلقى دعما مباشرا من الحرس الثوري الايراني مشيراً بذلك إلى فيلق القدس الإيراني ” .
وعلى العموم ، سواء صحّ ذلك أم لم يصحّ ، وسواء من ارتكب هذا الفعل المُجرّم هؤلاء أم أولئك ؛ يبقى أن البعض قد استغلّ الحادث وأخذ يتاجر بتفجير القديح ويبيع بضاعة ( كاسدة ) فيها مافيها من بكائيات تكيل الاتهامات لأبناء أهل السنة والجماعة وعلمائها ودعاتها وتتهم إعلامها وخطابها ومنبرها بأنها وراء مثل عمليات القتل هذه .
والصواب أن أهل السنة والجماعة لايقرّون ذلك ، وأن قيام جماعات متطرفة منهم بهذا الجرم لايبرر المزايدة عليهم أو اتخاذها سبيلاً لتحقيق مآرب أخرى تتعلق بضرب توجهات والطعن في مناهج وخطب وفكر أهل السنة والجماعة ، ويتم تلبيسهم ( طاقية ) الإرهاب ونسيان – في المقابل – مذابح ومجازر وجرائم كبرى كلّنا يعرفها ، ويعرف مشروعها ، ومن ينفذها . ففي سوريا يجري هدم مدن وقرى بأكملها على ساكنيها ، تُذبح النساء والأطفال ، بل وتُبقر بطون الأمهات ، وتُرمى عليهم براميل من المتفجرات ، مئات الآلاف من الشهداء والضحايا التي باتت صورهم تطحن القلوب حزناً وكمداً . التهجير والتشريد والتدمير والفتك ومختلف صور الإرهاب في سوريا والعراق واليمن هي جرائم ترتكبها أنظمة وميليشيات وحشود وفيالق شيعية ، تُدار وتُدعم بشكل معلن ومفضوح من إيران لأجل مشروعات توسع وتمدّد يصعب التصديق أن يخرج لنا اليوم بعضهم ليرمي الإرهاب على غير ناحيته الظاهرة والبارزة والواضحة كما الشمس في بارقة النهار .
سانحة :
يقول الكاتب إبراهيم الحارثي في مقالة له بعنوان ” يا أهل القديح لسنا من فجّر حسينيتكم ” مايلي : ” لدينا جماعات متطرفة ولديهم جماعات متطرفة ولكن الفرق من جماعاتنا المتطرفة أنها مطاردة ومرصودة ومتهمة رسميا على مستوى العالم بالإرهاب وتقوم طائرات أمريكا التي بلا طيار بضربها ليلا ونهارا وفي أي مكان تشكّ في وجودها فيه ، حتى لو كان في وسط الأسواق أو بين تجمعات المدنيين ، أما جماعاتهم المتطرفة فلم تسمع بها الأمم المتحدة البتة ، ولذا لاتُتهم من أمريكا العادلة واللطيفة بالإرهاب ،ولاتُضرب بالطائرات ولاتطاردها أمريكا ولاحلفاؤها” .