من قرأ يوم أمس المعايير الإسكانية الجديدة التي نشرتها إحدى صحفنا المحلية؛ ونأمل أن تكون مجرد مسودّة خاطئة أو بالون اختبار ( فارغ ) ، من قرأها ؛ لايستطيع أن يتجاوزها بدون أن يردّد هذه العبارة ، عبارة ” بسْ عندنا ” حيث يمكن أن تجد مواطنا قد يُحرم من أشياء كثيرة ، منها أمور أساسية كالسكن دون أن يكون له أي دخْل في هذا الحرمان . وقد يرى هذا المحروم أنه كان الأولى مكافئته وليس معاقبته .
فالمواطن الذي اجتهد منذ طفولته ، وتنقّل متفوقاً في مراحل التعليم المختلفة ، محفوفاً برعاية والديه وحرصهما واهتمامهما ، ثم واصل تميزه في الجامعات ليحصل على مؤهل أكاديمي عالي ، بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراه ، ثم يرتقي بعدها أعمال ومناصب يُعطي فيها وطنه ويخدمه ، ويكون من الكفاءات والخبرات والقدرات ؛ هذا المواطن قد يجد نفسه عندما يريد مواجهة أعباء حياته ومعيشته وحيداً من غير أي سند ودعم من الدولة يشعره بتقدير ( تعبه) و( بنائه ) لنفسه ، إذ لايمكنه – مادام أن راتبه قد تجاوز الـ (900) دينار – أن يستفيد من الخدمات الإسكانية !
هذا المواطن صار علامة استثناء بارزة في أي سياسات وقرارات جديدة تهدف إلى أن تعالج أو تحسّن المستوى الاجتماعي وتخفف الأعباء المعيشية والمعاناة لدى المواطنين الآخرين ، وذلك فيما يشبه رسالة واضحة بأن المجتهد ، أيّا كان تخصصه ومجاله يجب عليه أن يتدبّر حاله بنفسه .
قد يجري تفهم هذا التوجّه لاستثناء هذه الطبقة في حالة واحدة ، وهي أن من تجاوز راتبه (900) دينار أو (1200) دينار يستطيع أن يحصل على سكن اعتماداً على هذا الراتب ! وكلنا يعرف أن واقع الحال وأسعار السوق العقاري تجعل من هذا الكلام أقرب إلى الاستحالة حتى لو تضاعف راتبه وتجاوز الـ (2000) دينار وأكثر .
ليس السكن هو حالة الاستثناء الوحيدة التي يعاني منها المواطن المنتمي إلى الطبقة الوسطى؛ فهذا المواطن إن التحق في المدارس الخاصة لينال تعليماً أفضل ويخفف على الدولة مصروفات ونفقات كرسيّه في المدارس الحكومية ، وقد يقترض الآباء والأمهات لأجل التعليم الخاص ثم إذا تخرّج من تلك المدارس كان نصيبه من البعثات والمنح الجامعية التي توفرها الدولة كنصيبه من الخدمات الإسكانية !!
وإذا ما قررت الدولة مساعدة مواطنيها على التغلّب على ضنك العيش ومواجهة غول الغلاء وفاحش الأسعار ، ودبّرت علاوة غلاء أو علاوة سكن أو علاوة تحسين معيشة أو مثلها ؛ كان هذا النوع من المواطنين غير مشمول فيها ! ويُتوقع أيضاً أن ينالهم ذات الاستثناء في مسائل رفع أو إعادة توجيه الدعم ، سواء للحوم أو الكهرباء أو المشتقات النفطية ، بصورة نخشى أن تدفعهم في يوم من الأيام أن يندموا على اجتهادهم وتفوّقهم وتميّزهم لأنه تم مكافئتهم بأن يكونوا ( عالة ) على أنفسهم !!
سانحة :
هذا المواطن تم الاصطلاح على تسميته بـ ( الأخ الأوسط ) لأم لديها ثلاثة أبناء حيث يقول عن نفسه : أنا دائماً مظلوم ! فأمي حين تأمرنا فإنها تقول : ” الأخوين الأكبرين خمّو الحوش ” أو تقول ” الأخوين الأصغرين رتبوا الصالة ” وهذا يجعلني أعمل دائما لخدمتها في الحالتين ( خمّ الحوش وترتيب الصالة ) بينما الأخوين الأصغر والأكبر يحصل كل منهما على فترة راحة ولا يشتغلون إلاّ في حالة واحدة .
و كأنك تصف ما يجول في خاطري و حرقة قلب ام على مستقبل ابني ! شكرًا لعرضك هذا الموضوع.
إعجابإعجاب