أعرف أني لاأملك فطنة أهل المال والاقتصاد ، وليس لدي خبرة المستشارين ، ولا دراية الفنيين والمتخصصين والمحللين ؛ لكن في نهاية الأمر لابد لي – كغيري من المواطنين- يحتار العقل في كيفية اختيار جوانب أو مجالات يحسب من اختارها أنها ستدعم ميزانيته ، وستخفض مصروفاته ، وتوفر له موارد ، وتخفض عجوزات . وسبب الحيرة هو أن الجوانب المختارة ليست في عمومها تمثل العبء الأكبر في سلّة المصروفات ، وهي غالبا مايتضرر منها المواطن خلافاً لقاعدة ( المواطن أولا) ! بينما هنالك مجالات أخرى يراها الناس ويسمعون عن مقدار بذخ وإسراف وهدر يتجاوز في أحيان كثيرة حدّ المعقول ؛ يرى كثيرون أنها الأولى بمقص التقشف عند الأزمات والحديث عن الأولويات ، وأن مباضع جراحي الميزانية لابد لها أن تعمل مشارطها فيها بدلا من أن تتركز الجهود والأطروحات هذه الأيام على مايمس – مباشرة – المعايش الأساسية ، سواء في اللحوم أو الكهرباء أو المشتقات النفطية أو ماسواها من مواد لازالت دول الجوار تدعمها ولم يجر التفكير في المساس بها ، بل ويجري دعمها بسخاء جعلهم في مواضع يحسدون عليها بينما هم مثل البحرين تأثرا بأزمة انهيار أسعار النفط لكنهم باتوا ( يتهكّمون علينا ) ويطلقون علينا ألقاباً بعد ( سالفة ) تخصيص خمسة دنانير شهرياً لأكل اللحم !!
صدقوني أن المواطنين لن يقتنعوا بحكاية إعادة توجيه الدعم على النحو الذي تم طرحه ، لن يقتنعوا حتى لو جاؤوا بأفضل حملات تسويق هذا التوجه – مثلما يطالب البعض – طالما أنهم لايرون نماذج تقشف وخفض مصروفات حقيقية من كبار القوم وعليته يشعر إزاءها الناس أن الجميع سواسية في مواجهة الأزمة الاقتصادية ، وأن حالة الغُرْم التي تعاني منها البلاد لاتخصّهم وحدهم ، وليسوا هم المتسببين فيها ، وبالتالي لا يكونوا هم وحدهم استثناء يطالهم ( القص ) مع كل أزمة عابرة .
المسألة ليست صعبة ، فبإمكان أي لجنة ، حكومية أو نيابية أو حتى شورية تستطيع حصر الكثير الكثير من بنود وصنوف شتى يمكن وقفها أو تقليلها أو تخفيض تكاليفها وبهرجتها – ومن دون الدخول في تفاصيلها لأن الجميع يتداولها – أحسب أن وفرا سيتحقق من ( قصقصتها ) يغنينا عن كل هذا الذي نحن فيه الآن !!