قارب عدد مشاهديه حتى يوم أمس (49) ألف مشاهد ، وانتشر تداوله بين الناس بصورة كبيرة توحي فيما يبدو عن شبه رضا وتأييد تام لما ورد فيه من شكوى هي أقرب إلى ( الفضفضة ) عن إجراءات وممارسات صارت عنواناً قد يكون مخجلاً لكيفية دعم استثمار المواطنين لأموالهم في داخل بلدهم . ماأقصده هنا هو التسجيل القصير الذي حمِل عنوان ( ماهو السبب وراء إغلاق المشاريع الصغيرة في البحرين ) .
المؤكد تماماً أن المعاناة التي نقلها صاحب التسجيل لاتخصّه وحده ؛ فحالة عدم اللامبالاة بدعم وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في البحرين جعلت الكثيرين يفكرون ألف مرة ومرة قبل أن يقدموا على إقامة أي مشروع ، فبدلاً من التفكير في مغامرة نجاحه أو فشله أو ربحه وخسارته – وهو الأصل – صار الهمّ الأكبر في كيفية تجاوز حالة مايشبه ( المرمطات ) في الترخيص أو التسجيل أو التجديد أو الحصول على العمالة المناسبة والكافية أو دفع الرسوم المتزايدة أو ماشابه ذلك من إجراءات واشتراطات هي أقرب إلى سدّ الأبواب وسدّ ( النفس ) عن أن يحاول أحد في إقامة أي مشروع تجاري يوفر له دخلاً معيناً أو يزيد من مصدر رزقه ويوفر له حياة كريمة وعفيفة عن العوز والسؤال .
تحظى المشروعات الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة في مختلف الدول بكامل العناية والاهتمام باعتبارها رافداً حيوياً للاقتصاد الوطني وحافظة للمال من أن يعبر الحدود ناهيكم عن الدورة الاقتصادية التي تحققها في حياة الناس ، وهي أيضاً عماد السوق والحركة التجارية ،وهي كذلك تعين الدولة وتخفف على الحكومات أعباء وضغوطات الخدمات والفرص التي تقدمها للمواطنين. فتُعطي مختلف الدول تبعاً لذلك أنواعاً شتى من التسهيلات والمزايا لهذه المشروعات الخاصة تضمن لها ليس البقاء والاستمرار فحسب وإنما تطوّرها ونماؤها . هكذا يُفترض لولا أن واقع الحال عندنا أنه تم تسليم مسائل الترخيص والتجديد وعمل الاشتراطات وتحديد الإجراءات وفرض الرسوم وإدارة كل هذه العمليات لعقليات قد لاتفهم أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالنسبة للبلد ، وتتعامل مع أصحابها من فوقية فيها الكثير من التغطرس ، ودونما أي نظرة إلى أدوات وأساليب الاستقطاب ، بل من يستمع إلى بعض قرارات وإجراءات في هذا الصدد يحسب أن الموضوع قد تعدّى إلى حالة أقرب إلى العقاب والتطفيش وربما الإذلال بصورة لاتستقيم إطلاقاً مع الوضع الاقتصادي المحلي الذي يستلزم احتضان هؤلاء والعمل على جذبهم لتجنب المزيد من الكبوات الاقتصادية ، ولتجاوز حالة الأزمة والركود .
من يؤسس أو يبدأ مشروعه التجاري الخاص من المواطنين – خاصة من البسطاء ممن ليس لهم سند من هنا أو هناك أو من علية القوم – ستقصم ظهره التعقيدات والمتابعات والأيام والمواعيد المفتوحة بلاحسيب أو رقيب ، وعدم وجود آليات متابعة إلكترونية شاملة ودقيقة تختصر الزمان والمكان وتكفي عناء المراجعات والوقوف في الطوابير وقبلها البحث عن مواقف للسيارات ومثلها من أنواع معاناة لاأوّل ولا آخر لها . بالطبع لاأحد من أصحاب هذه المشروعات يسأل عن مزايا أو تسهيلات لأنهم فقط ينشدون السلامة والحصول على الموافقات رغم أن دعمهم مادياً أو عينياً – بتوفير أراض مثلاً – أمور مطلوبة ومعمول بها في الكثير من البلدان .
ونشأ عن كل ذلك أن انحصرت مشروعات المواطنين في أنشطة بسيطة ومتواضعة من مثل مطاعم ، بقالات ، صالونات حلاقة ، مغاسل ( دوبي ) ، محلات ( بنشر سيارات ) ، شاي كرك ، عبايات ، بوتيكات ، بيع هواتف نقالة ، مخابز ، زينة سيارات و ماشابه ذلك . وغابت أية أنشطة تجارية ومهنية نوعية ومتميزة تشكل قيمة مضافة للسوق والاقتصاد ولسمعة البلد ، لالشيء سوى الحالة ( الطاردة ) و( المنفرة ) التي لاتشجع إطلاقاً على الإبداع والابتكار، وعبّر عن بعضها التسجيل القصير الذي قارب مشاهديه الـ ( 49) ألف حتى الآن !!
ومن يتابع تصريحات ودعوات وحرص صاحبي السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر وولي العهد الأمين عن تشجيع الاستثمار وتهيئة بيئته وتسهيل الإجراءات يدرك تماماً أن المسؤولين عن تنفيذ ذلك إنما هم في واد آخر لايتناسب البتة مع هذه التوجيهات الكريمة والسديدة ، ولا يتناغم معها . وأقترح إنقاذاَ ونهوضاً بهذه الحالة أن يُجرى على الفور إعادة هندسة إجراءات الترخيص والتسجيل والتجديد و… إلخ لكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يحقق الاستقطاب ويوفر الانسيابية ويمنع ( التمرمط ) ويغلّب روح التيسير والتسهيل على نهج التسلّط والتعقيد . وأرى أن يدخل مركز البحرين للتميز كطرف رئيسي لإصلاح منظومة حياة مشروعاتنا الصغيرة والمتوسطة والحيلولة دون إغلاقها وتوقفها. فمن يستشرف المستقبل لايمكنه أن يراه إلاّ من خلال تعظيم دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة .
سانحة :
أسوأ ما يمكن أن ينتج عن استمرار مثل هذا التعامل بشأن المشروعات الصغيرة والمتوسطة أن تزداد رغبة أصحابها في إقامتها في دول الجوار طمعاً في التسهيلات والدعم والاستقطاب المتوفر هناك .