لاشكّ أنه عنوان جميل أطلقته مؤخراً هيئة الثقافة والآثار ضمن حملة ترمي من خلالها إلى أن يعود الأهالي للسكن في البيوت التي تركوها، وإلى الأحياء التي عاش فيها الآباء والأجداد، وأن يعودوا إلى المناطق التي هُجرت في محافظة المحرق . تلك المدينة الحبيبة التي كانت في يوم من الأيام ملفى الناس ومقرّ بيوت العائلات البحرينية المعروفة ، وملاذ تجمعاتهم و( نواخذتهم ) . وكانت عنوان العراقة والهوية والتاريخ ، ومركز الثقافة والرياضة والفنون ، وكانت منــازلها وبيـوتها ” العودة ” و ” أحواشها ” و” درايشها ” و ” بوادقيرها ” و” أسيافها” و”عرشانها ” وأزقتها نماذج فريدة في حياة البساطة والجمال لايمكن للمئات وربما الآلاف الذين ظعنوا منها وودعوا شوارعها وطرقاتها إلاّ أن تنزل دموع أكثرهم من مآقيها وتتفطّر قلوبهم شغفاً بها حينما يتذكرون دُورهم ومنازلهم التي صارت ماضياً يتحسرون على مآلاتها حيث أصبحت ” عنابر ” أو مثل ” الخرائب ” لأفواج من العمالة الآسيوية التي استوطنت أزقة و” دواعيس ” المحرق وطبعوها بهويتهم حتى لايكاد التفريق بينها – المحرق – وبين مدينة آسيوية ! بل سُميت ” فرجان ” بأسامي مناطق هناك .
لم يخرج المحرقيون من مدينتهم بمحض إرادتهم وملء رغباتهم ، وإنما صنوف الإهمال التي عانت منها في العقود الماضية هي التي فرّقت مجاميعهم وغيّرت تركيبتهم ، وضيق ذات اليد هي التي اضطرتهم لبيع منازلهم والتخلي عنها لغيرهم ، وعيالهم التي كبرت دون أن تتسع لإيوائهم الدُور والبيوتات هي التي دفعتهم للنزوح منها ، والخدمات والتطويرات التي طالت مناطق أخرى وأغفلتهم هي التي أغرتهم لتركها ، والمشروعات والإمتدادات الإسكانية التي حظي بها الآخرون وأهملتهم هي التي دفعتهم لمغادرتها.
في الواقع قرأت تفاصيل هذه الحملة ذات العنوان الجميل ” بيوت تنادي أهلها ” فلم أجد فيها سوى عبارات إنشائية ( مطّاطة ) لاتنضوي على أية إجراءات تستقطب الأهالي وتشجعهم للعودة إلى بيوتهم فما عادت المحرق اليوم – للأسف الشديد – تصلح لسكن العوائل ، فليس المكان مكانهم ، ولا الجيران يصلحون لجيرتهم ، لامواقف سيارات ، ولا سواحل ، والمحلات التجارية غزت حتى ” دواعيسهم ” .
إن تطبيق أو الاستجابة لنداء هذه الحملة الجميلة يتطلب مشروع أقرب إلى ( المارشال ) الذي يعيد تهيئة المحرق ببيوتها ومرافقها وتلبية احتياجاتها لتستقطب من ظعنوا منها وبقيت شِغاف قلوبهم فيها .
سانحة :
المحرق ؛ حينما نطلقها نعني بها مناطقها القديمة والعريقة ، في وسطها . ولانعني بها البسيتين أو عراد أو قلالي أو الحد أو الدير وسماهيج .. وبالتأكيد لاتشمل جزر أمواج ولا ديار المحرق ولادلمونيا .