إن إدراك رمضان من أجلّ النعم ، ومامن شهر يدعو الكبير والصغير ببلوغه إلاّ رمضان ، فكأنما هو أمنية حياة جديدة يحرص الجميع عليها ويتمنون عدم فواتها، لالشيء سوى لأن أيامه ولياليه كالتاج على رأس الشهور ، فهي مغنم الخيرات وكنز الطاعات والرحمة والغفران حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” رغِم أنفه ثم رغِم أنفه ثم رغِم أنفه من أدرك رمضان ولم يُغفر له ” رغِم أنفه : أي خسِر وخاب .
وكم غيّب الموت عن هذا الشهر الفضيل من أعزاء وأقارب وأصدقاء كانوا معنا فيه ، حزنّا لفراقهم وبكينا لوداعهم ، وكم اكتظّت الأسِرّة بالمرضى الذين تتفطر قلوبهم وأفئدتهم ، ويبكون لأجل أن يصوموا حتى ولو يوماً واحداً من أيام رمضان، أو يقوموا ليلة واحدة من لياليه المباركة، ولكن حيل بينهم وبين ذلك ! فلله الحمد والمنّة أن أقرّ عيوننا ببلوغ شهر رمضان الذي يحتوي على أعظم فرص العوْد إلى الله تعالى والإنابة إلى طريق الرحمن وتصحيح مسار الحياة وولوج دروب الاستقامة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ” خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشرّ الناس من طال عمره وساء عمله ” . ولايحسب أحد – وهو يرى تعاقب الشهور والاْعوام عليه – أن طول عمره نعمة بحدّ ذاته ، فإذا طال عمر العبد ولم يعمرّه بالخير فإنما هو يستكثر من إمهال وحجج الله تعالى عليه . فلايفرّط أحد في موسم الطاعات الذي نحن في بداياته خاصة بعدما- للأسف الشديد- قد دار الزمان وتم اختطاف رمضان منه على نحو لا يتناسب مع مكانته وأهميته فأصبح لايراه البعض إلاّ مجرّد ضيف ينقلهم إلى محطّة أخرى من محطات الأنس والترفيه ، تُخصص له برامج وفوازير في الشاشات الفضائية يسهرون عليها أو يجوبون الأسواق والمجمعات أو تجدهم في منتصف الليل بالمقاهي أو مايُسمى ( الخيام الرمضانية ) يتسمرون على الأكل والشيشة فيها حتى الفجر ، وفي النهار تجدهم نيام كالجيف ، لاحس ولاحركة ، وإذا استيقظوا ينتابهم كسل وخمول وبلادة ذهن . وهكذا يتضاعف مقدار الهدر والضياع في شهر كان السلف الصالح يتسابقون إلى فضائله والنيل من معينه وكان شعارهم فيه ” وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ” .