راصد

كلها ( مكائن ) للإرهاب

كلما وقعت أية تفجيرات أو أعمال أو أحداث  إرهابية في أي مكان في مختلف أنحاء المعمورة ؛ يُشار بأصبع الاتهام إلى الجانب الديني كمتسبّب فيها ، فتنحصر أغلب الكتابات والتعليقات والتصريحات وماشابهها نحو ضرورة ترشيد الخطاب الديني وتهذيب خطاب المنابر وتغيير المناهج ومراقبة المساجد وغير ذلك مما تعجّ به سائر الأدبيات والتحليلات في مثل هذه المناسبات . وهو أمر مطلوب حيث لايستطيع أحد أن ينكر أن الغلو والانحراف في الدين إنما هو يصنع بيئة للتطرف والتكفير تضيع فيها بوصلة الدين الإسلامي الحنيف وتتلاشى قيمه الفاضلة وتعاليمه الحازمة في حفظ الأنفس والأرواح والأعراض والأموال .

ورغم أهمية هذه الإجراءات والدعوات لمحاربة التطرف ومكافحة الفكر الضال إلاّ أنه ينبغي عدم حصر مايتعلق بالدين كسبب وحيد وحصري لتفريخ الإرهابيين فهنالك ( مكائن ) أخرى في حياة الشعوب غير انحراف الدين يمكنها أن تؤدي إلى ذات النتيجة أو أنها تسهّل باستخدام الدين الخروج بذات النتيجة . فالأوضاع السياسية غير السويّة وسوء الحالة الاقتصادية وتعثر النواحي الاجتماعية ، وحالات الظلم وظواهر البطالة وانتشار الإحباط وزيادة الفقر والعوز وماشابهها من مسببات يكون في ترك تفاقمها أدوات وقنابل موقوتة يسهل تجنيدها واستغلالها بصورة – ربما – تكون دافعيتها للإجرام والإرهاب والعنف أكثر .

ومن أفضل من عبّر عن ذلك هو المخرج السينمائي محمود المساد في فيلمه الوثائقي ” إعادة خلق ” الذي تم عرضه قبل بضع سنوات. وهو يحكي قصة أحد الذين جاهدوا في ثمانينات القرن الماضي في أفغانستان واسمه ” أبوعمار” – وهو شخصية حقيقية – يعود إلى بلدته الزرقاء بالأردن ليبدأ حياة جديدة مع عائلته المكونة من زوجتين وثمانية أولاد فيصطدم بالواقع الاجتماعي ، حيث تشحّ أمامه فرص العمل وتكثر المتاعب التي يعرضها الفيلم كجزء من معاناة هؤلاء المقاتلين الإسلاميين الذين تم اعتبارهم متطرفين بلا رحمة وإرهابيين إلى الأبد ،  ويظهر التناقضات التي يواجهونها في التكيف بين إذلال الحرب الأمريكية في العراق والتزامهم بالإسلام وحاجتهم لكسب العيش ، فتكون نهاية الفيلم التي اختارها هي قرار الهجرة بعد أن ضاقت به سبل العيش في بلدته معتبراً المساد أن تلك هي النهاية الطبيعية لـ ” بوعمّار ” وأمثاله ممن يطاردهم شبح الماضي ويحاصرهم الواقع المرير .

وقال مخرج الفيلم محمود المساد  عن فيلمه ” أردت في الفيلم أن أطرح أسئلة أكثر مما أقدم من إجابات ، وفي النهاية الفيلم ليس عن شخصية أبي عمار وحده ، أنه يركز على من أين يأتي هؤلاء ؟ عندما نتحدث عن الإرهاب من المهم ألاّ نركز فقط على النتائج بل على من أين جاء هــؤلاء ” ؟!

إن محاربة الإرهاب لاينبغي أن تقف عند حدود تعاطينا مع الدين وتعاملنا مع مناهجه ومنابره ومساجده وكيفية تدريسه لأبنائنا وتنشئتهم عليه و… إلخ ، مع مالهذه الأمور من أهمية كبيرة تقتضي بذل المزيد من الجهود لنشر صفاء الإسلام ووسطيته واعتداله ورحمته ؛ لكن الأولى أن تكون هذه المحاربة وفق منظومة متكاملة تشمل وتتضافر فيها النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وليست النواحي الدينية فقط ، فكلها منابع و( مكائن ) يسهم اعوجاجها والسوء فيها بطريقة أو بأخرى في تفريخ الإرهاب والعنف.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s