راصد

لماذا غابت المبادرات والقفزات النوعية ( الحقيقية ) ؟!

في أحد المجالس المحرقية الكريمة ، جمعني في رمضان المبارك حديث شيّق بين مجموعة من الزملاء الحاضرين ، كان محور النقاش وتبادل الكلام يدور حول شأن محلي عام أو هو عن تساءلات واستفهامات حول سبب افتقاد غالب وزاراتنا منذ عدّة سنوات لمشروعات تطوير ( حقيقية ) تعزز دور الوزارة في المجتمع وتحقق قفزات نوعية ومبادرات متميزة في مجال أدائها وخدماتها ، وتجعل من تلك القفزات والمبادرات إنجازاً واقعياً يفرض نفسه ، ويفخر به المواطنون والمقيمون ، يستفيدون منه ، ويكون قد وفّر أو حقق تسهيلات أو إجراءات أو مكتسبات أراحت الناس في معيشتهم أو صحتهم أو تعليمهم أو خدماتهم أو إسكانهم أو مرافقهم أو ماشابهها من مجالات اتسمت خلال السنوات السابقة بالرتابة وشابها التأخر وعلقها الجمود وتقادم عليها الزمن ، فأصبح جلّ مايخرج عن تلك الوزارات خطط واستراتيجيات ومبادرات تميل إلى ( الترقيع ) أو أنها تهدف أكثر ماتهدف إلى ( الشو الإعلامي ) وتسويق شخص المسؤول في وسائل الإعلام المختلفة بشكل دعائي فجّ ، ولايكون على أرض الواقع أي شيء مفيد يتعدّى الأحبار التي زاحمت بياض الصحف والجرائد .

تعليقات الزملاء في مجلسهم تناولت أسباباً عدّة لفقدان وندرة هذه القفزات والمبادرات تتعلق بمسائل الكفاءة والمؤهل والتخصص والخبرة والمهنية وماشابهها من أمور معيارية تقوّي شخص الوزير عند اختياره بناء عليها أو من خلالها ، وتتيح له القدرة على خوض مجالات الإبداع وإعمال الفكر ورصانة الإنجاز وتقانة المخرجات وصدقيّتها في المركز والمنصب الذي يتناسب مع مؤهلاته وخبرته وتخصصه وكفاءته ومهنيته .

على أن أدقّ التحليلات والتفسيرات لما آلت إليه كثرة من وزاراتنا من جمود وعدم وجود (الجديد ) الحقيقي والفعّال والمبهر هو ماذكره بعضهم من أن الوزراء – ليس جميعهم –قد تنازلوا شيئاً فشيئاً – بقصد أو عن غير قصد – عن وظائفهم المفترضة ، وصغّروا أدوارهم الكبيرة ، وأطاحوا بمكانتهم و( هيبتهم ) التي تعوّد عليها الناس فيما مضى من أنهم في رأس الهرم ، مخططين واستراتيجيين وليسوا موظفين حالهم حال المدراء والوكلاء .

وأصبحوا – الوزراء – اليوم ممسكين بزمام كل صغيرة وكبيرة في وزاراتهم ، وبات الوزير مجرّد مسؤول إداري في الوزارة ركّز كل الصلاحيات والاختصاصات عنده ، وبلغت اهتماماتهم لأدنى مستويات لم تكن في وارد اهتمامات الوزراء السابقين ، ولم يكن معروفاً لدى العموم أنها من اهتماماتهم أو في نطاق اختصاصاتهم وأعمالهم ، وانشغلوا – أيضاً – بتقريب وتوظيف الأهل والمعارف ، وعملوا على الاستفادة الشخصية أو المعرفية بالمناقصات والمشتريات ، وصاروا كذلك هواة سفر و( سياحة ) وحضور مهرجانات واحتفالات .

في المحصّلة ، وبسبب تراكم الممارسة واستمرارها طيلة السنوات القليلة الماضية أصبحت وظيفة الوزير تختص بتصريف الأمور الإدارية والمالية في وزارته ، وتبعاً لذلك ترسّخ لدى العموم بأن هذه هي بالفعل وظيفة الوزير !! ومادام الأمر كذلك فليس من المنتظر ممن يتولى أعباء كل هذه المهام – التي من المفترض في الأوضاع السليمة أن تتولاها عنه آليات وأجهزة ومسؤوليات أخرى – أن يظهر للمجتمع بمبادرات نوعية ( حقيقية ) أو أن يكون في باله وعقله وكذلك وقته تحقيق قفزات مميزة .. أبداً لايمكن توقعها مالم تتغير نظرة الوزير إلى طبيعة وظيفته ومتطلبات منصبه ، وتعود إلى سابق عهدها .

سانحة:

بعض المتحاورين في تلك الجلسة تداولوا أمثلة ونماذج يتدخّل فيها الوزراء أو يتولونها بأنفسهم في أعمال وشؤون وزارتهم ؛ قد يكون فيها نوع من المبالغة أو مثيرة للضحك وتصلح للفكاهة . ولكن واقع الحال وإزاء فقدان المشاريع الحقيقية وغياب قفزات الأداء النوعية وتراجع الإنجازات الملموسة ( ليست الإعلامية والدعائية ) لايمكن تبريرها وتفسيرها إلاّ بأسباب موضوعية كثيرة لعلّ من بين أهمّها ما آلت إليه وظيفة الوزير ومهمته داخل وزارته .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s