أصبح على مدار السنوات القليلة الماضية حراكنا المجتمعي زاخراً بما يصلح أن نطلق عليه مواسم ، لها فترات وأزمنة محددة تستقطب في وقتها جلّ الاهتمام وتستحوذ على الرأي العام وتكون محلاّ للشّد والجذب ، وتملأ صفحات الجرائد بالأخبار والتقارير والمقالات والتصريحات والتعليقات ، وتُنشأ لها ( هاشتقات ) في العالم الافتراضي ( تويتر) وتملك حينها غالب مراسلات و( برودكستات ) وسائل التواصل الاجتماعي . وهذه المواسم عادة ما تسيطرعلى أحاديث المجالس وتتفرّد موضوعاتها مختلف اللقاءات الرسمية والأهلية . وتكون كذلك فرصة للتكسّب ، سواء الإعلامي أو الانتخابي أو الطائفي أو حتى المادّي . وهكذا هي مواسم يُشغل أو ينشغل بها الناس طوال عامهم ، ولاتكاد تُطوى صفحة موسم حتى يبدأ الموسم الذي يليه بصورة بدت متناغمة ومألوفة وربما ممنهجة أو ( مجدولة ) يصعب أن يسقط أي موسم منها من ( الحسبة ) السنوية ، بالذات خلال الأعوام الأربعة الماضية .
فعلى سبيل المثال وليس الحصر ؛ هنالك موسم صدور التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية حيث يرتفع الضغط لدى العموم من صدمة حجم الفساد والتجاوزات والمخالفات والهدر في المال العام التي يجري تداولها إما بطريق التهديد بالمحاسبة أو( الحسرة ) أو حتى ( النكتة ) ويُعمل للتقرير في هذا الموسم طقوس صارت ثابتة تشبه احتفالات خرافة ( الزار ) التي تنتهي إلى لاشيء .
وهناك أيضاً موسم الصيف ؛ إذ تتفرّع موضوعاته بين انقطاعات الكهرباء – التي لاننكر أنها قلّت كثيراً عن السنوات الماضية – ومشكلات السفر إلى الخارج ، وخلو أو شبه خلو البحرين من أية مرافق ومنشآت سياحية يُعتدّ بها ويمكنها أن تكون ملجأ أو مدعاة لاستقطاب العائلات البحرينية والخليجية . وبالطبع لانتكلم عن السياحة الأخرى التي تعرفونها ( أجلّكم الله ) .
ويأتي أيضاً موسم الأعياد الوطنية حيث يتضاعف سقف أمنيات المواطنين وأحلامهم خاصة فيما يتعلق بزيادات أو مكرمات أو سداد قروض أو نحوها ، وتستحوذ توقعاتهم في هذا الشأن بالذات على كامل أفق وسائل التواصل الاجتماعي وتستمر معهم إلى أن تمرّ احتفالات تلك الأعياد بسلام .
أما موسم مشروع إصدار ميزانية الدولة ؛ فعادة مايكون موسم حي ، لايفوّت أحد فرصة المشاركة في موسمه ، تشرأبّ إليه الأعناق ، وتُعلّق عليه الآمال الكبيرة إلى درجة أن يسيل لُعاب بالذات الفئات المعوزة ومحدودي الدخل والمتقاعدين ، وعادة ماتُطرح في هذا الموسم أيضاً فقاقيع – مثل عجز الموازنة ورفع الدعم – للانشغال بها وصرْف الأنظار وتهيئة الأجواء لانتهاء الموسم مثلما بدأ ، وترحيل الآمال والأمنيات للموسم القادم.
على أن من بين تلك المواسم البحرينية الساخنة موسمان تم تجييرهما بامتياز نحو مايشبه عراك طائفي ترتفع فيهما أصوات تصيح بالمظلومية وتتهم بالتمييز وترمي آخرين بالاستحواذ وتتجدّد (سالفة) الاستيلاء على مفاصل وزارة التربية والتعليم أو حتى الدولة مع أن واقع الأمر الذي يعرفونه أن هذه ( السالفة ) أقرب إلى ( النكتة ) التي جرى استخدامها في وقت ما لأهداف وغايات معروفة ، انتهت الكذبة لكنهم لايزالون يصدّقونها ، رغم أن أحداث عام 2011م كشفت أين كانت موجودة مفاصل الدولة . الموسمان اللذان أقصدهما ، هما موسم توظيف المدرسين وأحياناً يسمونه موسم الهجوم على رئيس ديوان الخدمة المدنية . والموسم الآخر ، هو الموسم الحالي المتعلق بتوزيع البعثات .
ومابين هذه المواسم كلها تتشابك أهداف وتتغير نكهات وتتداخل أمور وتُستغلّ فرص وتُختبر تجارب وتُدرّب ( مكائن ) وتضيع بينها وفيها معالجات لتبقى في النهاية مجرّد ( مواسم ) نتقلّب فيها طوال العام .