راصد

توحش إيران بعد الاتفاق

لم يكد يمر أسبوع واحد – أقل أو أكثر – على توقيع الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي حتى تم تكشير الأنياب الإيرانية في المنطقة وظهور بوادر سريعة لما توقعته كثير من التحليلات والمتابعات من أن المخفي في ذاك الاتفاق أكبر من المعلن ، وأن العين الأخرى في مفاوضاتهم كانت تتركز على أشياء تختلف عما تم خطّه في بنود الاتفاق التي ظهرت في الإعلام .

وكانت المخاوف المعلنة وغير المعلنة للأنظمة والساسة الخليجيين بالذات على محكّ الاختبار والترقب بالنظر إلى حجم التنازلات التي قدّمها طرفي الاتفاق ومقدار ( الغزل ) المتبادل بينهما فضلاً عن الشكوك من أن هذا الاتفاق بين ( الغادرين ) اتخذ له رمزية مقصودة بأن تم توقيع إطاره الأولي في فندق بوريفاج بالاس في سويسرا ، وهو ذات الفندق الذي شهد في العام 1923 بالقرن الماضي توقيع معاهدة لوزان الثانية التي شكّلت أساساً لإنهاء الخلافة العثمانية .

من البوادر الأولية للتوحش الإيراني بعد توقيع الاتفاق هو أن يظهر المرشد الإيراني علي الخامنئي الذي هو صاحب السلطة العليا والمطلقة هناك في خطبة صلاة عيد الفطر ليسجل إضافة جديدة ومنكرة في سجل التدخلات الإيرانية في البحرين ، ومن دون أي مواربة أو مراعاة لما يُطلق عليه من دعوات لعلاقات حسن الجوار ؛ فيعلن الخامنئي في تلك الخطبة أن إيران لن تتخلى عن دعم أصدقائها بالمنطقة وعن الشعب المضطهد في البحرين !

وبعدها بأيام يأتي حليف الملالي الإيرانيين ، نوري المالكي نائب رئيس الجمهوية العراقية ليطالب بالوصاية الدولية على السعودية ويشن هجوماً ( وقحاً ) على قيادتها وشعبها ويتهمهم بأنهم جذر الإرهاب !! متغافلاً بكل خسة ودناءة عن جذوره وجرائمه الإرهابية التي كان يقودها بنفسه .

على أن التوحش الإيراني الآن لا يمكن أن يُذكر من دون الإشارة إلى ماحصل – ولايزال – في مدينة الزبداني بسوريا ، من مذابح جديدة جاوزت حدّ الوصف ، وفاقت مثيلاتها وسابقاتها من مجازر نظام الأسد والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني حتى أن المنظمات الإنسانية العاملة هناك أعلنت عجزها عن تعداد جثث شهداء الزبداني الذين سقطوا قتلى البراميل المتفجرة والأسلحة المحرّمة ، دماؤهم وأشلاؤهم ستظل شاهداً بارزاً على حجم زيادة الغدر والتواطؤ الغربي الإيراني في هذا الاتفاق النووي .

لكن السياسة وحدها ليست هي القادرة على صناعة التوحش وإنما الشريان الاقتصادي الذي دبّت فيه الحياة مجدداً في إيران بعد الرفع المتوقع للعقوبات المفروضة عليها منذ العام 2006 والذي سيضخ – هذ الرفع – في الاقتصاد الإيراني مايزيد على الـ (150) مليار دولار ؛ هو الذي سيجعلها تتحرّك كما ( الطاووس ) وينعش اقتصادها المنهك ويعزز تجارتها وصادراتها ووارداتها ويحقق لها مكاسب كبرى لاسيما بعد أن سارعت العديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وغيرها إلى الإعلان عن زيارات مرتقبة قريبة لإيران لوفود تجارية واقتصادية رفيعة المستوى لتنشيط التبادل التجاري والاستثماري ، ويحدث ذلك في الوقت الذي تعاني فيه دول الجوار من أزمات مالية واقتصادية ترتب عليها استحقاقات وعجوزات وانعكاسات سلبية على عموم أدائها الاقتصادي .

من الواضح أنه أمام توحش إيران بعد هذا الاتفاق فإن المنطقة يُعاد صياغتها من جديد ، وأن قيادة المملكة العربية السعودية حفظها الله قد اتخذت زمام مقاومة هذا المشروع التآمري ، واستفرغت كل طاقاتها وجهدها لمجابهته خاصة وأنها هي مطمعهم الرئيس ، ولذلك باتت تتعرض لهجمات مدروسة ومتزايدة حتى ممن كانت تظنهم حلفاء لها قبل أن تكتشف أنهم مجرّد سماسرة يبحثون عن من يدفع أكثر .

بالتأكيد فإن دول الخليج هي محط العين الأخرى في الاتفاق النووي الإيراني الغربي ، وماتناغم التصريحات والبيانات الأوروبية والأمريكية والإيرانية ضد البحرين والسعودية الآن إلاّ دلالة على الوضع الجديد الذي سيتيح لإيران أن تتوحش أكثر بعد أن استردّت عافيتها السياسية والاقتصادية ، وليس على دول الخليج إلاّ أن تعي إلى أن قوتها إنما تستمدّها من داخلها وليس من خارجها ، وقد أبلغ في التعبير عن ذلك معالي الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية حينما ذكر في بيانه أن الأمر يقتضي في البداية تصحيح ركائز البيت الخليجي من تلك الولاءات المزدوجة .

سانحة :

اللهم احفظ بحريننا وخليجنا العربي من الأخطار التي تُحاك في جنح الظلام .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s