يُحكى في ناصع تاريخنا الإسلامي المجيد ، في صفحاته البيضاء ، التي تتعلّق بالعزّة والكرامة أن “رستم” قائد جيش الفرس في معركة القادسية قد رأى الإحباط في معنويات الفرس نتيجة الانتصارات الباهرة التي حققها المسلمون في معاركهم السابقة . فارتأى أن يسعى للصلح مع جيش المسلمين الذي كان يقوده الصحابي الجليل سعد بن أبي وقّاص.حيث طلب ” رستم ” من المسلمين إرسال وفد للحديث معه في هذا الموضوع .
فيجمع سعد بن أبي وقاص مجلس حربه ، ويقول لهم : إنني سأرسل له – رستم – وفداً عظيماً من أصحاب الرأي، فيقول ربعي بن عامر إن هؤلاء القوم قوم تباهٍ، وإننا لو فعلنا ذلك يرون أننا قد اعتددنا بهم (أي: جعلنا لهم مكانة عظيمة، وأقمنا لهم الهيبة ونحن خائفون منهم)، ولكني أرى أن ترسل لهم واحدًا فقط؛ فيشعروا أننا غيرُ مهتمين بهم؛ فيوهن ذلك في قلوبهم . وعلى عادة الكبار في تواضع سمعهم لآراء من يخالفهم والبحث عن الصواب فقد نزل قائد معركة القادسية إلى رأي أحد جنوده ، وهو ربعي بن عامر ، بل كلّفه أن يكون هو هذا الشخص ( الواحد ) الذي يذهب للتفاوض مع ” رستم ” .
وانطلق ربعي على فرسه الصغير ذي الذيل القصير، وهذا شيء تُهَانُ به الخيولُ . وقد لجأ ” رستم ” إلى تزيين مجلسه بالنمارق ، وأظهر اللآلئ والياقوت والأحجار الكريمة ، ومدّ البُسط الطويلة في انتظار وفد المسلمين قبل أن يتفاجأوا برجل واحد فقط وأسلحة متواضعة على فرس صغير ، هو الصحابي الجليل ربعي بن عامر الذي ظل راكباً على فرسه حتى داست على الديباج والحرير ، ثم نزل عنها وربطها في قطع من الحرير مزقها ، وأقبل على ” رستم ” فقالوا له : ” ضع سلاحك ” ، فقال : ” إني لم آتيكم ، وإنما دعوتموني ، فإن تركتموني هكذا وإلّا رجعت ” ، فقال ” رستم ” : ” ائذنوا له ” ، فأقبل
ـ رضي الله عنه ـ يتوكأ على رمحه فوق النمارق ، فخرق أكثرها ، فقال له ” رستم ” : ” ما الذي جاء بكم ” ؟ ، فقال: ” إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه ، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله ” ، فقال ” رستم ” : وما موعود الله ” ؟ قال : ” الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقى ” قال ” رستم ” : ” قد سمعت مقالتك ، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا ” ؟ قال : ” نعم كم أحب
إليكم ؟ يومـاً أو يومين ؟ ” قال : ” لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا ” فقال : ” ما سن لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث ، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل ” قال ” رستم ” : ” أسيّدهم أنت ” ؟ قال : ” لا ، ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم ” فاجتمع ” رستم ” برؤساء قومه فقال : “هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل ” ؟ فقالوا : ” معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب ! أما ترى من ثيابه ” ؟ فقال : ” ويلكم لا تنظروا إلى الثياب ، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة ، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل ، ويصونون الأحساب ” .
استحضرت هذه القصة التاريخية عند قراءتي مؤخراً تصريح السيد حسن هاني زاده رئيس تحرير وكالة مهر الإيرانية الذي قال فيه : “على حكام البحرين أن يتحدثوا مع إيران بمستوى حجمهم الجغرافي ولايتمادوا ضد أي دولة لها مكانة بالعالم ” حيث يعبّر عن صلف واستعلاء فارسي استطاع الصحابي الجليل ربعي بن عامر أن يمرّغه في التراب منذ القدِم .