كثيراً ماتستوقفني بعض كتابات أو تعليقات تنادي بحرية الآراء وتدعو لتعدّدها وتطالب بقبول الآخر وترفض الإقصاء وتنبذ التخوين ، وتتباكى و(تتمسْكن) حتى لتبدو أنها تتعرّض للإيذاء والمهانة على مافيها من طيبة وسعة صدر للاختلاف وعلى الرغم من ادعائها الديمقراطية والتعددية و… إلخ ؛ ولكن سرعان ماتكتشف أن تلك الكتابات والتعليقات مجرّد تمثيل ، وأن الألفاظ النموذجية و( البكائيات ) المثالية لاتستطيع أن تصمد أمام وجهات النظر الأخرى ، ولاتستطيع قبولها أو الرضا بأن مساحة الآراء يمكنها أن تضم المخالفين مثلما اتسعت لهم .
كانت تلك الكتابات والتعليقات عندما تضيق بالآراء الأخرى وتمتنع عن قبول الأفكار المخالفة لاتقوم بمقارعتها بالحجة أو تفنيدها بالدليل والبرهان ، ولاتمارس أدبيات الاختلاف والنقاش بحسب آفاق التعددية التي لاتفتأ تنادي بها . لاتقوم بذلك ، ولاتكلّف نفسها في كثير من الأحيان عناء حتى التلطّف بالخطاب ضد المخالفين ؛ بل تعبّر – تلك الكتابات والتعليقات – عن كبير غضبها وتخرج عن ( طورها ) وتتخلّى عن وقارها وغالباً ما ينفلت عيارها فتصف من يختلف معها بـ ( الحمير) أعزّكم الله ! ويمكنكم عدّ تلك المقالات والكتابات التي استخدمت فيها أو عنونتها بألفاظ ( الاستحمار ) ومشتقاتها من ألفاظ غريبة على مجتمعنا وكذلك جسمنا الصحفي ، جرى استخدامها وألفها في لغة التخاطب في بعض الكتابات والأعمدة الصحفية ناهيك عن مواقع التواصل الاجتماعي أثناء الرد على المخالفين في الآراء ، خاصة إذا تعلّق الأمر بالرد على من يسمونهم موالين أو ( طبّالة ) وهو مصطلح – على مايبدو – أرادوا فرضه على كل من لم يكن في صفهم أو صفّ معارضتهم!
غير أن المسألة قد تطوّرت وزادت عن سهام السبّ وأوصاف ( الاستحمار ) وتجاوزت حدود اللياقة لنتفاجأ مؤخراً ببعضهم يتجرأ على مخالفيه فينعتهم بالساقطين ! ويشبههم باليهود والنصارى !! وهذا في الواقع مؤشر مخيف على نوع الديمقراطية وحرية الرأي أو حتى نوع الدولة التي يريدونها ، فمن نختلف معه في الرأي نسبّه ونشبّهه ياليهود والنصارى .