هناك معضلة تواجهها بعض الاقتراحات النوعية التي يتقدّم بها بعض السادة النواب ، صحيح أن هذه المقترحات ليست كثيرة بالمقارنة مع الكمّ الكبير من الاقتراحات العادية التي تصبّ في معظمها خانة الاختصاصات البلدية . لكن معضلتها – الاقتراحات النوعية – هي اصطدامها بمصالح الكبار والمتنفذين ممن يريدون كل شيء ، ومن دون أن يُعطوا شيئاً ! ولايمكنهم القبول بأي مساس بهم أو انتقاص من أرباح أو مكتسبات أو عوائد تخصّهم .
ولذلك يبقى الحال كما هو ؛ الاعتماد الرئيس على ماتضخه الحكومة من ميزانيات مهما بلغت العجوزات وتراكمت القروض والديون عليها ، وصارت إرثاً تتناقله وستئن من وطأته أكثر فأكثر الأجيال القادمة . ويتبع ذلك أن الحكومة هي الوحيدة المطلوب منها معالجة تعثّر معيشة المواطنين ، سواء في أكلهم أو شربهم أو عملهم أو سكنهم أو مرافقهم أو ماشابه ذلك من أمور لاننفي هنا مسؤولية الحكومة عنها ، لكن من الواجب أن يتحمّل معها هذا الواجب بقية الآخرين ، ممن يملكون ويستطيعون ولكنهم آثروا أن يكونوا في معزل عن العطاء الحق وفي مأمن من أن تمسّهم رسوم وضرائب تعين الحكومة على أداء واجباتها والتزاماتها .
هذه الثقافة ومعها روح الاتكالية والانعزالية ومقاومة التغيير ؛ أحبطت أو ذبحت – إن صحّ التعبير – أي مبادرة أو خطوة أو اقتراح يخرج عن إطار ( المألوف ) من حلول أو بدائل لمشكلات وقضايا أصبحت تتراكم وتتضخم آثارها على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية ومعها السياسية ، ولا يلوح في الأفق أي انفراج لها ، بل هي تتعقد وتتصاعد كلفة حلّها ولا يكون لمعالجتها سوى بضعة اقتراحات هنا أو هناك ، لاتلامس الجذور ، ولاتستأصل البلاء ، ولاتقدّم الإبداع ، ولاتحتوي جرأة التغيير . إنما تبقى في الهوامش ، وتظل في كنف الترقيع .
وانظروا إلى المشكل الإسكاني كيف بدأ وتطوّر ، ثم تُرك يتعقّد ، وبقي يتضخّم حتى أصبح كالغول يتهدد كل شيء في حياة الناس ، ولم تتغير طريقة مواجهته منذ عقود وعقود ، مجرّد ضخ المزيد من المخصصات للمشروعات الإسكانية ، وزيادة شروط التقدّم للحصول على الخدمات الإسكانية لـ ( تقصيص ) قوائم الانتظار ، يقابل ذلك ارتفاع مذهل وفاحش في أسعار العقارات ومضارباتها ، ومعه شحّ في الأراضي المخصصة للخدمات الإسكانية وللخدمات التعليمية وللخدمات الصحية وللخدمات … إلخ فيما مساحات بيضاء على مدّ البصر باقية لسنوات ولسنوات يرفض أصحابها أن يكون لها قيمة مجتمعية أو أن يتحملوا بها مسؤولية اجتماعية ووطنية ، ويرفضون حتى أي اقتراح قد يسهم في وقف أو الحدّ من ألعاب الاحتكار والمضاربة فيها ، ويحول دون بقائها مجمدة دون بناء ودون حراك تنموي ونهضوي في بلادنا التي صارت هي وأهلها تحتاج إلى كل شبر فيها !!
سانحة :
اقتراح النائب الفاضل الدكتور عيسى أحمد تركي بشأن فرض رسوم على العقارات غير المبنية والتي مضى على استملاكها أكثر من (3) سنوات ؛ لايجب أن يُرفض كلّه بحسب بعض التحفظات المثارة ضدّه ، إنما يمكن تعديله وتطويره ، لأن فكرة منع الاحتكار ووقف المضاربات وخفض أسعار العقارات تستحق أن تُدرس وتُناقش ومن ثم تُنفذ على بساط الواقع ..