حتى لا يُفسّر أو يُفهم أو يجري تأويل كلامي على غير ما أريد وأعنيه فإني منذ البداية أقول أنني أؤيد تماماً أية إجراءات تهدف إلى الارتقاء بالمنبر الديني وترفع من قدْره وأهميته وتسهم في ترشيد خطابه وتبعده عن أية تجاذبات سياسية لاتخدم الوطن وتسيء إلى سموّ رسالة الإسلام وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلّم . ولذلك لاغضاضة في إعداد وتوزيع خطب ( استرشادية ) وغير ملزمة على الخطباء ولاتقيّد من حريتهم للاستفادة من موضوعاتها ونصوصها وحرصها على بيان سماحة الإسلام ونبذ التطرّف وما إلى ذلك من توجيهات يجدر الرجوع إليها بين حين وآخر لمواجهة ومجابهة سيل جارف من هذه الأفكار المدمّرة التي باتت تغزو العقول الآن بلا ترخيص ولا استئذان ، بواسطة مما لايُستطاع التحكم فيه من عالم افتراضي مفتوح ووسائل ( ميديا) لم يعد لأحد سلطان عليها ، وأصبح لها تأثيرات – ربما – تفوق مرّات ومرّات منابر خطب الجمعة .
ولاغضاضة أيضاً في إصدار تراخيص للخطابة أو إعادة إصدار تراخيص جديدة لأن الخطباء الحاليين مرخصون ومعتمدون أو هكذا يُفترض ، ولاغضاضة أبداً في إيجاد المزيد من الإجراءات والتشريعات في هذا الخصوص . لكن ماينبغي أن يُقال تجاه كل هذه التوجهات الجديدة بشأن خطب الجمعة هو ألاّ تكون مدخلاً لتسطيح الخطاب الديني والنأي به عن قضايا الناس والبعد به أو تجريده من نبض الشارع وعزله عن حيوية مشكلات الوطن وقضاياه ، فيُصار إلى أن تكون خطب الجمعة قوالب جامدة ، وموضوعات مكررة ، لاتخرج عن بضع – رغم أهميتها – نصائح في فضائل الأخلاق أو مسائل في فقه الصلاة والطهارة والصوم ومناسك الحج وماشابهها من موضوعات ربما يكون محلّها المناهج الدراسية أو المعاهد الشرعية أو حلق الوعظ والإرشاد . مع أن الوضع الحالي لكثير من الخطباء – أصلاً – لايخرج عن ذلك ، حتى باتت عند الناس ( أمراً روتينيا ) لاتجذبهم – للأسف الشديد – خطبة الجمعة ولاتستهويهم موضوعاتها وصارت الصلاة بالنسبة لهم تحصيل حاصل ، وقلّ حرصهم على حضورها مبكرين ، وغالباً مايأتون في أواخر الخطبة ، كأنما جاؤوا لتسجيل حضورهم وتأدية الصلاة المفروضة فقط .
وإذا شئنا – هنا – الدقّة أكثر ، وأبدينا الصراحة ؛ فإنه ربما أن المعنيين بالتوجهات والإجراءات المزمعة الجديدة للخطباء ليسوا خطباء مساجد أهل السنّة والجماعة ؛ لأن هؤلاء غالبهم – إن لم يكن جميعهم – إنما هم في خط الدولة ويتناغمون مع توجهاتها ويبذلون كامل الوسع في الدفاع عن مواقفها ويصطفّون معها ويفزعون معها ضد الإرهاب والإساءة للوطن ويرفضون التدخلات الإيرانية ، ولهم وقفات مشرّفة في الذود عن وطنهم وقيادتهم خاصة منذ أحداث عام 2011م ، بل حتى أنهم يستجيبون لتدبيج خطبهم بتوجهات معينة – حتى لو كانت في أمور سياسية – تطلبها منهم الجهات الرسمية المسؤولة عنهم . وغالباً ماتصنّفهم المعارضة بأنهم من ( الموالاة ) . وأحسب أنهم لايشكلون البتة أي إزعاج أو مصدر قلق .
غير أن أخشى مايُخشى منه أن تصدر إجراءات وتشريعات جديدة في هذا المجال فلايكون من تطبيق لها إلاّ على هؤلاء الخطباء وأصحاب منابر أهل السنّة والجماعة ، كسوابقها من إجراءات وتشريعات صدرت لكنها تطبقت هنا وتوقفت هناك ، فيُصار إلى مزيد إضعاف لمؤسستهم الدينية في قِبال مؤسسة آخرين يتحدّث عنها الناس عند المقارنة بقولهم : ” أبوي مايقدر إلاّ على أمّي ” !! فلاتضعفوا مؤسستنا الدينية في الوقت الذي تتغوّل فيه المؤسسة الأخرى ..
سانحة :
أي قانون أو إجراء لاتستطيع الدولة إنفاذه على الجميع يعني وجود خلل ؛ إما في نصوصه أو في تطبيقه .