من أسوأ صور النكد والبؤس الكثيرة التي نعيشها ونعاني من تعاستها هي مظاهر التناقض الفجّة بين الادعاء والممارسة ، وبين القول والفعل ، وبين العلن والسرائر ، وبين الإخلاص والنفاق ، وبين أن يرفع لواء خدمة الناس والتصدّى لقضايا حقوق الإنسان وحفظ كرامته وعدم امتهانه والدفاع عنه و… إلخ ؛ من هم في دنيا الناس أشبه بالعاهرة التي تُعطي دروساً في العفاف وتلقي محاضرات وتعقد اجتماعات وتقيم ندوات عن الطهارة والأخلاق !

قصة العاهرة والعفاف صارت من حيث علنيّتها وتكرار حصولها ؛ أشهر من نار على علَم ، وأصبحت مسألة استحضارها كما الأمر المعتاد في حياتنا إزاء التعبير بكلّ حنق وغضب أمام تلك الصور البائسة من المتناقضات التي بالفعل لم تترك شيئاً من المشهد السياسي والإعلامي والاجتماعي إلاّ وأفسدته .

ومشكلة العاهرات أنهن حينما تتمكن منهن الصفة لايشعرن بالعيب ولايعرفن الحياء حتى لو كانت قذارة مهنتهن وصفاقة ممارساتهن أوضح من الشمس في بارقة الظهيرة ! وليس أدلّ على نموذج مهنة العاهرة التي تدّعي العفاف من ذلك البيان الذي أصدره مجلس وزراء النظام السوري مؤخراً – بعدما انتظم عقده برئاسة طاغية الشام بشار الأسد – وندّد فيه بما أسماه التعامل المخزي لبعض الدول الأوروبية مع المهاجرين السوريين معتبراً أن سلوكها هذا يخالف أبسط مبادئ حقوق الإنسان ورفض تعريض حياة السوريين ومستقبلهم للخطر . كما أكد مجلس الوزراء السوري في الاجتماع نفسه “على ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة لملاحقة مافيات التهريب التي تتاجر بالشباب السوري وتحقيق استقرار الشباب السوري والحفاظ على الكوادر البشرية التي ساهمت ببناء سورية على مر العقود ” !! ونسي هذا النظام أن جنوده وشبيحته وحزب الله والحرس الثوري هم الذين تسببوا في هجرة ملايين السوريين من بلادهم بعدما ألحق بهم النظام مجازره وفتكت بحاضرهم مذابحه ودمّرت دباباته وطائراته وبراميله المتفجرة مستقبلهم فصار الهروب من الجحيم عنوان حياتهم . بيان مجلس الوزراء السوري عن محنة اللاجئين السوريين هو مثال صارخ جداً على تلك العاهرة التي تبذل كثير من جهدها لبيان معاني العفاف ومستلزمات الطهارة بينما هي غارقة حتى النخاع في نجاستها.

سانحة :

الحال في العراق لايختلف عن سوريا ؛ فقد دعا مؤخراً زعيم التيار الصدري أتباعه للانضمام إلى مظاهرات التنديد بالفساد الحكومي بالرغم من أن تياره يستحوذ على عدد كبير من الحقائب الوزارية والمناصب الحكومية !!