هو عنوان مقال رائع كتبه ناصر القحطاني ، يقول في بداياته : “رجل ثوبه متسخ وتفوح منه رائحة كريهة ومعه دينار واحد فقط ، قيمة غسل الثوب دينار، وقيمة تعطيره دينار، فما هو الأولى؟ هل يغسله أم يعطّره؟ المنطق يقول إن غسْله أولى؛ لأن إزالة الوسخ سوف تنهي الرائحة الكريهة بينما تعطيره سوف يزيل الرائحة الكريهة لفترة مؤقتة “.
حالة هذا الثوب والخيارات المتاحة له هي القاعدة الذهبية لترتيب الأولويات وإدارتها وتقديم الأهم على المهم ، وهي قاعدة نحتاجها كميزان نرجع إليه من أجل حسم كثير من السياسات والتوجهات وكذلك رسم الخطط والاستراتيجيات التي يمكننا إيجاد مقاييس ومؤشرات فعلية وقادرة لبيان وتمييز نجاحها من فشلها .
إن أي التفاتة أو مراجعة بسيطة للكثير من مناحي حياتنا ، سواء كأفراد أو جماعات سنكتشف أننا لم نتوصل بعْد إلى المنطق والخيار الصحيح في مسألة : أيهما أولى تعطير الثوب أم غسله ؟ ولذلك تبقى المشاكل مؤجلة ، يجري ترقيع حلولها ( تعطير ) بين فترة وأخرى فيما تبقى حاجتها للغسيل قائمة ومتجددة كلّما اختفت رائحة العطور أو كلّما تغلبت و( طلعت ريحة ) المشكلة .
وغالب لجوئنا لخيار ( تعطير الثوب ) وليس ( غسله ) مردّه إلى استعجالنا النتائج واعتمادنا النظرة القاصرة على المدى القريب ، وعدم استشفافنا السليم للمستقبل ناهيك عن دواعي ومعايير قصور وفساد أخرى تمنع وضع القطار على سكّة انطلاقه نحو وجهته . وأصبح أيضاً هذا ( التعطير ) خياراً محببّاً للكثيرين ممن يحبّون الـ (شو) الإعلامي ويلاحقون الأضواء ، ويرغبون في إخفاء بواطنهم أو يعانون خواء مضامينهم وكساد سريرتهم فلايجدون أفضل من العطور لإخفاء عيوبهم وستر عوراتهم .
في الواقع ؛ لو تأملنا في عدد من المشروعات ، على اختلافها وتنوّعها ، السياسية منها أو الاقتصادية أو الإعلامية أو الخدمية أو غيرها سنجد أن جانباً أو جوانب منها لم تذهب إلى خيار ( غسل الثوب ) حتى لو كانت كلفته أكبر ، واكتفت بترقيع هنا وتعديل هناك يستمر عمله سنتين أو ثلاث أو أكثر ثم لايلبث أن يفقد أثره ويعود الأمر كأن لم يكن .
وبالتالي فإن تأخير ( غسْل الثوب ) والاكتفاء بتعطيره ينتج عنه كلفة مضاعفة ومتزايدة قد تفوق في نهاياتها كُلَف الغسيل ، حتى وإن بدى في ظاهر الأمر أن نتائج ( التعطير) أسرع لأن الخيار السريع مؤقت يزول مع ذهاب الرائحة وتفاقم المشكلة .
لا أريد أن أضرب أمثلة لأنني متأكد أننا نستطيع اكتشاف حالات غسيل الثوب أو تعطيره بكل يسر وسهولة من حولنا ، ويكفيني أن أعرض عليكم أن أحد المواطنين – ومثله ليسوا قليلين – قد استدان ورتّب على نفسه قرضاً بنكياً ليسافر مع عائلته في هذا الصيف مع أفواج السائحين إلى أوروبا ، قضى فيها أسبوعين فلمّا عاد صار يشتكي من أعباء مواجهة مصاريف موسم بدء الدراسة ومعه موسم الأعياد ! حال هذا المواطن لايختلف عن أحوال ونماذج أصغر أو أكبر في ترتيب الأولويات وتنفيذ المشروعات .