راصد

زيادة الرواتب أولى من ترقيعها

لم أشأ في عمودي المتواضع يوم أمس المعنون بـ (تغسيل الثوب أم تعطيره ؟! ) أن أخوض في بيان أمثلة نماذج على سوء أو عدم صحّة بعض الخيارات التي ربما نكتشف أنها كانت مجرّد تأجيل وترحيل للمشكلة وليست حلاّ لها ، وأنها كانت تدور في فلك خيار ( تعطير ) الثوب وليس تغسيله خاصة في تلك الملفات التي تمسّ حياة المواطنين وتحتلّ مراتب متقدّمة في سويّة معيشتهم ، ولاتحتاج إلى معالجات على طريقة العلاقات العامة أو إصدار تقارير إعلامية وتصريحات صحفية صارت – مع الوقت وكثرة تكرارها مملّة – وفاقدة للنبض والحيوية ، ولايوجد لها الانعكاس والأثر الذي يتناسب مع حجم الكلام عنها .

لم أشأ يوم أمس الخوض في استعراض أمثلة لولا أن عدداً من القرّاء الكرام قد باغتوني بكثير من مشروعات وقرارات وتوجهات وماشابهها من أمثلة غالبها صالحة للاستدلال على أننا نهتم أكثر بالعوارض ونهمل الأسباب ، ونذهب بعيداً في تحمّل تكلفة الترقيع ( التعطير ) وننسى أننا نزيد بذلك من كلفة ( التغسيل ) عند أوانها أو عندما لايكون مفراً منها . فأزمات الشعوب ومشاكلها مثل الأمراض تماما‏، المرض يبدأ دائما بسيطا‏،‏ وقد لايحتاج في علاجه سوى إلى قليل من العناية ، وفي حالة الإهمال أو العلاج الخاطئ‏ يستفحل المرض‏ ، وهنا قد يضطر الجراح إلى التدخل لإجراء عمليات جراحية بتكلفة كان يمكن تفاديها ابتداء .

من أكثر الأمثلة الصارخة في هذا الشأن موضوع رواتب الموظفين ؛ إذ أنه مع تفاقم الأعــباء المعيشية وارتفاع تكاليفها والتضخم المتصــاعد بدون ضابط ، واستمرار غلاء المواد الاستهلاكية والضرورية ناهيك عن الكمالية في مقابل صمود الرواتب وعدم تزحزحها ، وعجزها عن مجاراة الضنك والضيق المعيشي ، وأصبح من الضروري إعادة النظر أساساً في تلك الرواتب الجامدة والصامدة ، ودراسة مدى مناسبتها للأوضاع المعيشية المتزايدة صعوبتها فذلك أدعى لتحسين سويّة معيشتهم . ولكن ذلك لم يتم ! وكل الذي جرى هو ترقيع – ( تعطير ) – تلك الرواتب ببعض علاوات مثل علاوة الغلاء وعلاوة الإسكان و- ربما في الطريق- تعويضات أو علاوة دعم اللحوم وبعدها قد تأتي علاوة دعم البنزين والكهرباء وهكذا دونما الالتفات للأمر الأشمل ، وهو زيادة الرواتب ، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص .

كما نتج عن هذا النوع من ( التعطير ) الذي تم توجيه غالبه نحو طبقات محدودي الدخل أنه تم إضعاف الطبقات الوسطى وترتبت مشكلات أخرى على ذلك . حتى المتقاعدين الذين هم في أمسّ الحاجة لأن يجري النظر في معاشاتهم التقاعدية ، ليس من باب التقدير لهم فحسب وإنما من باب مساعدتهم في تالي أعمارهم على مواجهة مصاعب حياتية لاترحمهم وهم في هذه السن ؛ لجأنا بشأنهم لخيار الترقيع ( تعطير الثوب ) ، مجرّد ( بونس ) مكافأة مالية متواضعة تُصرف لهم مرّة واحدة وفقط .

في بعض دول الجوار ، وقبل أزمة انهيار أسعار النفط ومعها البورصات ؛ تم زيادة – وربما مضاعفة – الرواتب ، وبالتالي لاتجد أو قلّما تجد هناك الآن أي تخوفات من أية إجراءات تقشفية بسبب الأزمة الحالية ، وذلك لأن سعة المداخيل تتحملها .

سانحة :

يعتقد البعض أن خيار وقف صور الهدر والبذخ والتضخم والترف والفساد هو بمثابة أحد أوجه ( تغسيل الثوب ) بينما خيار رفع أو إعادة توجيه دعم السلع والخدمات هو نوع من أنواع تعطير الثوب ..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s