راصد

البيضة أم الدجاجة؟!

هو عنوان قصة لغز وحكاية معضلة قديمة اشتغل بها فلاسفة اليونان عبر الأزمان الماضية، وقضوا ردحا من عصرهم في البحث عن إجابة شافية لسؤال: مَنْ سبق مَنْ؟ البيضة أم الدجاجة؟ حاولوا عبثا فك شفرات هذه (الفزورة) قبل أن تنتقل الحكاية من دواوين الفلاسفة إلى مساطب المختبرات العلمية وتخضع لقواعدها ومباضعها في البحث والتقصي والتحليل القائم على تفسيرات ومحددات واضحة لا تحتمل اللبس أو الارتجال، ولا يعتريها الخطأ أو القصور. فيقرر العلماء بصورة قاطعة بعد ذاك أن الدجاجة جاءت أولا؛ حيث استطاع باحثون في جامعتي شفيلد وورويك في بريطانيا اكتشاف أن قشر البيض يعتمد في تكوّنه على بروتين لا يوجد إلا داخل الدجاجة، وهو البروتين «أو سي -17» وهو موجود في مبيضها ويعمل على تسريع عملية تشكل قشر البيض ليستطيع احتواء السائل الذي يحمي جنين الدجاجة أثناء تكونه، ولذا لا يمكن أن يتكون هذا البيض إلا داخل دجاجة، وبالتالي فالدجاجة هي التي أتت أولاً!! وهو أمر قررته الشريعة الإسلامية قبلهم، وحسمته في قوله تعالى: «ومِن كُلِّ شيءٍ خلَقنا زوْجَيْنِ لعلَّكم تذَكَّرون» أي أن كل الكائنات خلقت ابتداء كأزواج كاملة.
وبالطبع بعيداً عن الخوض في تفاصيل هذا الاكتشاف أو الحل العلمي للغز البيضة أم الدجاجة؛ إلا أنه استمر كمعضلة وتساؤل شائك يجري طرحه أيضا خارج النطاق الفلسفي والعلمي، وأصبح يحتل مراتب متقدمة في سلسلة المعادلات الإدارية والمواءمات الاجتماعية ثم دخل أيضا في المجالات السياسية وكذلك الاقتصادية ليكون العنوان الأبرز في قصة الأولويات عند حضورها والبحث عنها في مختلف المناحي.
ومع إعلان قرار تشكيل الحكومة المصغرة لإدارة ومعالجة الأزمة المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط؛ تداول الناس مخاوف عن إشاعات وربما تسريبات عن الإجراءات التي تنوي الحكومة المصغرة اتخاذها، وغالب تلك الإشاعات تتعلق بمكتسبات المواطنين، ورواتبهم، وعلاواتهم، وتقاعدهم، و(كهربتهم)، ووقودهم، وما شابه ذلك من أمور تمسّ سويّة معيشتهم تجعل من الضروري إعادة عنوان قصة الأولويات (البيضة أم الدجاجة) إلى الواجهة، وأن تتبنى الحكومة المصغرة النتيجة التي توصل إليها العلماء والباحثون، وهي أن الدجاجة جاءت أولا وليس البيضة، وبالتالي عليهم أن يسقطوا من توجهاتهم البحث عن البيض ويكرسوا جهدهم وأفكارهم على أساس أن الدجاجة أولا.
سانحة:
غالب سياسات شدّ الحزام والتقشّف وترشيد الإنفاق يفوتها الاكتشاف العلمي للغز أيهما أسبق: البيضة أم الدجاجة؟ فتنشغل هذه السياسات والإجراءات بالبيضة وتدور في محيطها اعتماداً على تفسيرات وجوانب فلسفية غير مجدية رغم أن الحقائق العلمية تقول لهم: إن (الدياية أوّلاً)..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s