راصد

( طاف ) إما بالإلغاء أو التأجيل

بضعة أيام تفصلنا عن المناسبة السنوية الأثيرة التي يجري خلالها الإعلان عن صدور تقرير ديوان الرقابة على أداء مختلف وزارات ومؤسسات الدولة ، وهو تقرير يتصف بدقة ومهنية عالية يستحق القائمون عليه كل الشكر والتقدير خاصة وأن عدد صفحات إصدارهم يزيد سنة بعد سنة ولاينقص رغم أن المؤمل هو العكس تماماً ، بل إن الأمنيات تترقب حالة التصفير .

ومنذ ظهور أول إصدار لهذا التقرير قبل أكثر من عقد من الزمان تم استقباله بكثير من الترحاب والاهتمام والتفاعل الكبير الذي ربما هو الذي يُعزى إليه سبب أن يكون موعد صدوره مناسبة سنوية ثابتة في الأجندة البحرينية يجري انتظارها والاحتفاء بها .

الاحتفال بهذه المناسبة صار له طقوس ومراسم معينة تطوّرت عاماً بعد عام لكنها – مثلما أسلفنا ووصفها كثيرون – بقيت أشبه بـ ( حفلة زار ) يحضرها ويتداعى لها جمعٌ من الناس على اختلاف مشاربهم ووظائفهم واهتماماتهم واختصاصاتهم . يوقدون حول التقرير الشموع ويضربون الدفوف ويدقون الطبول ، يعلو الصراخ وتتصاعد الصيحات ويحلّ – أحياناً – الهرج بالضبط كما كان يفعل المدعوون في حفلات ( الزّار ) قديماً الذين كانوا يتأملون ويتوقعون أنه بواسطة هذه الطقوس يكون شفاء مريضهم وخروج الجنّي منه ، ويوهمون أنفسهم في نهاية الحفل أن مريضهم قد تعافى من ( المسّ ) وأن الروح الشريرة التي دخلت فيه قد ولّت وهربت إلى غير رجعة . بينما في حقيقة الأمر يبقى المريض على مرضه ، لم يستفد من هذا ( الزيران ) قيْد أنملة . لأن هذه الطقوس مجرّد خزعبلات وخرافات اكتشف الناس زيفها وعدم جدواها ، وتقادم عليها – حفلات الزار – الزمان حتى لم يعد لها وجودها ومكانتها كما السابق في حياتهم .

على أنه في السنوات القليلة الماضية قد قلّ حماس الناس لاستقبال هذه المناسبة السنوية والاحتفاء بها مثل السابق ، وصار هذا الإصدار المليء بأخبار الهدر والفساد شبه مألوف بعدما كان يشّكل مسألة للإثارة والغضب والتفاعل ، وتحوّل في مجموعه إلى مادة أرشيفية يُحتفظ بها في الأدراج والأضابر ، وكذلك مادة ترَفيّة يُستفاد منها في الكوميديا والنكات.

وفي هذا العام ، وفي ظل أوضاع مالية استثنائية بامتياز ، يُتوقع أنها بداية سنوات عجاف بسبب انخفاض أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة ، وبينما المواطنون يترقبون ماستؤول إليه أحوال معيشتهم وجيوبهم ومداخيلهم نتيجة إجراءات شدّ الحزام والتقشف الذي طال رفع الدعم عن اللحوم والدجاج ابتداء وسينتقل إلى الوقود والكهرباء في مرحلة قريبة ، في ظل كل ذلك ؛ أقترح أن نجعل هذه المناسبة السنوية – صدور تقرير الرقابة – في هذا العام ( طاف ) . إما بالإلغاء أو التأجيل ، فذلك أدعى للمحافظة على المشاعر والأحاسيس من الاستفزاز الذي قد تشكله مادة التقرير في هذه المرحلة الصعبة التي يُطلب فيها من المواطنين التأقلم وتحمّل مسؤولياتهم وتبعات الأزمة المالية .

سانحة :

لربما أن ( طاف ) إما بالإلغاء أو التأجيل للمناسبة السنوية الخاصة بصدور التقرير السنوي لديوان الرقابة أولى من هذه المكرورات السنوية التي صار الناس يعرفون أنها بلاجدوى .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s