كلّما عنّ لي داعٍ أو جال في بالي أن أتصفّح بعض سطور تاريخ بلادي وماضيها مع عموم دول منطقتنا، لا بدَّ أن أشعر بنوع من الإحباط وكثير من القلق والمخاوف على حالة النسيان أو الغفلة عن الاهتمام بالتاريخ، باعتباره هو المرآة التي يمكننا أن نرى المستقبل من خلالها، وخاصة في ظل مخاوف على الوطن من مستقبله أكثر من حاضره، تتعلّق جلها بالانتماء والهويّة. وهي مخاطر تزيد ولا تنقص، وتُبذل لأجلها أموال وجهود مستغلّة وضعية الفراغ وظاهرة اللا مبالاة التي نعيشها تجاه جواهر الماضي ونفائس التاريخ ووثائقه.
عندما كتبت في الأسبوع الماضي عمودي عن «مكة ورسالة البوكيرك»؛ اتصل بي أحد القراء الكرام، وهو شخصية على مستوى عالٍ من العلم والدراية في مجاله، استغرب بشدّة من أنه لأول مرة يعرف عن هذا القائد البرتغالي «الفرنسو البوكيرك» وأنه لأول مرة أيضاً يقرأ عن رسالته للشاه الصفوي، فذكرت له أن البحرين بالذات لها تاريخ مشرف في مقاومة المدّ الصليبي البرتغالي، وبيَّنت له أن حاكمها آنذاك السلطان مقرن بن زامل بن أجود الجبوري يُسمى «قاهر البرتغاليين» قاد بنفسه جيشاً قوامه (12) ألف مقاتل في عام 1521م، وخاض بهم ملحمة من البطولة والشجاعة استشهد فيها بعد أن لقن البرتغاليين درساً قاسياً في المقاومة جعلهم يحجمون عن تنفيذ مخططهم في احتلال الساحل الشرقي لجزيرة العرب، بعدما رأوا بسالة المقاتلين وقائدهم في معركة البحرين، وبعدما اعتبر السلطان مقرن بن أجود أول حاكم في المشرق الإسلامي يستشهد في معركة ضد المستعمرين البرتغاليين.
أعرف أن حالة الاستغراب هذه قد تزداد أكثر فأكثر كلّما عرفنا وقرأنا في تاريخ البحرين العريق في العروبة والإسلام، مما كتبت غير مرّة أنه ظننا بعد الأحداث والتطورات التي شهدتها البحرين مؤخراً، أنها ستنبّه الغافلين وستقرع الأجراس من أجل رفع شأن الهوية والانتماء، وستُعطى مسألة التوثيق والنشر والتوعية لماضي البلاد ما يمنع عنها المزايدات ويقطع أيادي السطو والتزييف، ويعرّي الدسائس والملفقات.
الأمل لا يزال منعقداً أن تتبنى جهة ما في الدولة زمام صياغة منظومة الهوية والانتماء (اللغة والتاريخ والثقافة) وتحفظها من العابثين، وتتبنى نشرها وغرسها كثقافة لدى أبنائنا وشبابنا وأجيالنا عن عروبة البحرين وانتمائها الإسلامي في ظل أخطار و(خلْط) وثقافة (مسْخ) صارت تقترب أكثر فأكثر من التفاهة، وحروب طاحنة باتت تبحث عن سلاحها في دفاتر الماضي.