على مايبدو أن المجتمع قد بات يتفهم شيئاً فشيئاً مايمكن تسميته بثقافة المقاطعة التلقائية ، وما قد تحققه من أدوات ضغط وتأثير تسهم في حفظ حقه من عدم المساس بمكتسباته وتمنع جشع التجار وتوقف بطش الاحتكار . وأمام موضوع مقاطعة اللحوم – سواء من القصابين أو المستهلكين – بعد رفع الدعم عنها وارتفاع أسعارها بصورة غير متوقعة ينبغي الحذر من المثبطين واللاعبين على ( وتر ) الوقت ، وممن يقولون هي فترة معينة يقلّ بعدها الحماس ويعود الناس إلى لحومهم وينسون حملتهم “خلّوها تخيس” ويرضون بالأمر الواقع .
وإذا حصل هذا التراجع – لاسمح الله – فإن ذلك مدعاة لأن يمضي قطار رفع الدعم عن الكهرباء والمحروقات و… إلخ دونما مراعاة للأحوال المعيشية الصعبة طالما أن المقاطعة لم تحقق هدفها المرجو ، ولم تستطع إعادة سعر اللحوم إلى سابق عهدها .
وهنا نستذكر تجربتين للمقاطعة الشعبية للسلع آتت ثمارها وحققت نتائجها ، صمد عليها الناس حتى النهاية . أولهما في الأرجنتين : حيث ارتفع سعر البيض هناك قبل سنوات قليلة ، فرفع الشعب الأرجنتيني شعار” خلّوه يفسد ” ورأوا أنه لن يضرهم عدم أكل البيض ، فبدائله أكثر من أن تُحصى .
المقاطعة صارت تكبر وتنتشر حتى تكدّس البيض في الثلاجات والمخازن والأسواق والمستودعات دون وجود مشترٍ ، واستتبع ذلك رفض الموزعين استقبال أي كمية بيض جديدة لعدم بيعهم أياً من الكميات القديمة المتكدّسة على الرفوف. وفي الأثناء ؛ كانت الدجاج في المزارع لازالت تبيض ، والتكدّس يتضاعف مما حدا بالتجار للعودة إلى الأسعار السابقة للبيض . وفي مرحلة لاحقة ، وأمام استمرار المقاطعة اضطروا أيضاً إلى خفض سعر البيض عما كان عليه سابقاً .
أما التجربة الثانية ؛ فقد كانت في الهند ، عندما قرروا عدم شراء أي منتجات تقوم بتصنيعها الشركات البريطانية داخل وخارج الهند امتثالاً للفكرة التي أطلقها المهاتما غاندي ” نعمل لهم، ولا نشتري منتجاتهم» وبدأ غاندي المقاطعة بنفسه حيث حرق كافة الملابس التي يملكها من صناعة أجنبية وبدأ بنسج قطع الأقمشة بنفسه ليرتدي الإزار المعروف ب”الكادي»، كما اقتصر طعامه على الماء، وحليب الماعز، وبعض الحبوب . وبسبب عزيمة وتفاعل الشعب الهندي مع دعوة المقاطعة ؛ تكبد حينذاك المستعمر البريطاني خسائر فادحة اهتز معها اقتصادهم واضطروا للانسحاب من الهند عام 1947م.
سانحة :
لعلّ حملة مقاطعة اللحوم “خلّوها تخيس” فرصة سانحة للكثيرين لإعادة النظر في نظامهم الغذائي ، وتصحيح عادات سلبية كثيرة فيه اعتاد عليها الصغار والكبار ، جلّها يتعلّق بأطعمة اللحوم بمختلف تنوّعاتها ، وجلبت علينا أمراض وأسقام ربما كنّا في غنى عنها لو خففنا أو تخلينا عن تلك اللحوم .