قبل أكثر من ثلاث سنوات، بالضبط في 12 يوليو 2012 صدر قانون حماية المستهلك، بعد عملية مخاض عسيرة وانتظار طويل، ترقبه المجتمع لسنوات وسنوات باعتباره قانون مهم يحتاج إليه جميع المواطنين والمقيمين، ينظم العلاقة بين البائع والمشتري ويسهم في استمرار وجودها في إطار من السلامة التي تمنع التطفيف والغش وتحفظ من الاستغلال أو النصب وتقضي على الاحتيال والخداع.
إنه قانون مجتمعي طال انتظاره، وتكحّلت العيون بصدوره، ورأوا فيه مظلّة تحميهم في سائر التصرفات والمعاملات المحسوبة على عمليات البيع والشراء، سواء للسلع أو الخدمات. من يقرأ مواده البالغة (25) مادة سيكتشف مقدار المثالية والدقة، وكذلك الحزم والصرامة التي تزدان بها تلك المواد والنصوص القانونية المكونة لمجمله.
الأهمية التي اكتسبها قانون حماية المستهلك مرجعها إلى أن المستهلك بات هو الحلقة الأضعف فيما يجري من تحولات وتغييرات وأزمات اقتصادية ومالية وارتفاعات فاحشة في الأسعار والخدمات من دون رقابة وضوابط توفر ضمانات وتحقق تطمينات من أن أحداً لن يجرؤ على استغلال تجارته لأخذ واستقطاع ما ليس له فيه حق.
غير أن هذا القانون ظلّ – رغم صدوره – حبيس الأدراج، غارقاً في سباته، قابعاً في غرفة الموت السريري، بلا نبض ولا حياة رغم حالة الفرح والسعادة التي صاحبت ولادته. وكانوا يعزون سبب نوم هذا القانون وعدم حراكه أنه لا يمكن تفعيله إلاّ بعد صدور لائحته التنفيذية، والتي نصّت عليها المادة (24) منه: «يصدر الوزير اللائحة التنفيذية لهذا القانون خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به».
بالنظر إلى تاريخ صدوره 12 يوليو 2012 فإنه كان يُفترض ألاّ ينتهي ذاك العام (2012) إلاّ بصدورها حسب منطوق المادة (24) السالفة الذكر. لكنها – للأسف الشديد – انتهى عام 2012 ولم تصدر، ثم تبعه 2013م وأيضاً لم تصدر. وفي منتصف يوليو 2014م (بعد عامين ونصف من صدور القانون) صدرت اللائحة التنفيذية لقانون على درجة عالية من الاهتمام والحاجة!!
غير أن صدور اللائحة التنفيذية – المتأخرة أصلاً – لم تكن مسألة كافية لبث الروح في القانون ونقله من حالة السكون والجمود حيث استمر في نومه، وظلّ طرفاً غائباً إزاء حالات أو ظواهر غلاء الأسعار الفاحش، تجاوز في كثير من الأحيان حدود المنطق وتخطّى المعقول، فيما صغر أو كبُر من البضائع والخدمات. في العقارات كما في تذاكر الطيران، كما في السيارات، كما في مواد البناء، كما في أدوات الكهرباء، كما في الأثاث كما… الخ. الارتفاعات كانت تتم في بارقة النهار وعزّ الظهيرة، وعلى عينك يا مواطن، و(إذا مب عاجبك عندك الحيط) وغالباً كانت الردود تقول لنا: إن السوق حر ومفتوح، ولا سلطان لأحد عليه!
وبينما الحال على ذلك، وبينما الناس يئسوا أو نسوا وجود قانون حماية المستهلك؛ فجأة تطالعنا أخبار الأسبوع الماضي أن ذاك القانون الصادر منذ منتصف العام 2012 قد فاق من غفوته وصحا من نومه، وعادت إليه روحه، وقام يمارس أعماله، فغدا يراقب ويرصد، ويهدد ويتوعد، بل يخالف ويغلق!! في صرامة غير معهودة، يتمنى الجميع أن تمتد إلى ما هو أكبر من المطاعم، وتكون صحوته طبيعية وليست مصطنعة من أجل اللحوم فقط، وإنه تم استدعاؤه وإنعاشه في هذه الأيام لأجلها فقط. فالجميع كانوا ينتظرون عودة الحياة لقانون حماية المستهلك.
سانحة:
إذا استمرّت صحوة قانون حماية المستهلك وشملت مظلّته و(عصاه) ما هو أبعد من المطاعم واللحوم، وطالت ما هو أهم منهما ؛ يحق لنا حينئذ أن نقول: «ربّ ضارة نافعة».