من أجمل وأهم الكتب الجديدة التي رأيتها في معرض الأيام للكتاب الذي أقيم مؤخرًا في مركز أرض المعارض. هو كتاب «البحرين وعمقها العربي والإسلامي.. من الغزو البرتغالي حتى استقلال البحرين» لمؤلفه الأستاذ راشد بن عيسى الجاسم. ويكتسب هذا الإصدار أهميته من عدّة نواحٍ. لعل أهمها أنه يأتي إضافةً نوعيةً تسدّ نقصًا أو تعيد تحريك عجلة تدوين تاريخ البحرين. وهي عجلة اعتراها الخمول ودبّ فيها الإهمال على المستوى الرسمي والأهلي. وتراجع على الأثر احتضان الباحثين والمؤرخين. ثم تُركت هذه الساحة للسطو والتزييف. ودخل فيها الاستقطاب السياسي حتى أصبح الأمر فيما بعد تهديدًا حقيقيًا للهوية والانتماء. ولا يزال بعض الناس يقلل من شأن إعادة النظر وإحياء الأمل بإجراءات وفعاليات وممارسات تحفظ البحرين من المساس بتاريخها وهويتها وانتمائها. وخاصة أن بعضهم أصبح يحرص على بيان انتماء البحرين إلى حضارة دلمون وأوال والفينيقيين والآشوريين أكثر من حرصه على عمقها العربي والإسلامي!!
الكتاب المكوّن من جزأَين اشتمل على استعراض تاريخي وتوثيقي للفترة من عام 1521 إلى 1971م. بذل المؤلف في تجميع مادّته جهدًا علميًا كبيرًا. أحسب أنه استطاع أن يضع كتابه في مصاف المراجع التاريخية التي يُعتدّ بها في حقبتها ومدلولاتها. ويمكنه أن يكون مادة دراسية في المدارس أو الجامعات.
تصفحي السريع للكتاب الذي حرصت على اقتنائه. وجدت فيه اهتمامًا بتوثيق أمرين: أولهما: علماء البحرين في العلم الشرعي وعلوم اللغة والأدب وعلم الفلك والبحار. وثانيهما تسليطه الضوء على الأدوار التاريخية لشعب البحرين في نشر العلم والأدب والثقافة. وكذلك الريادة البحرينية في دعم نضال الشعوب الإسلامية ضد الغزو الأجنبي. وذلك بالإضافة إلى عدة محاور أخرى تثبت للبحرين عمقها العربي والإسلامي.
وهنا لا بدَّ أن أبيِّن أني لا أبالغ إن قلت إن أي جهد علمي يبذله الباحثون المخلصون في التأريخ لأوطانهم بمهنية وأمانة. هو جهد مقدّر يستحق التكريم والتشجيع. ومن الأولى احتضانه والفرح به لأنه في نهاية الأمر (كنز) من المعلومات والإثراء. وسلاح نوعي في معركة المحافظة على الهوية والانتماء.
ومما يؤسف له أن كثيرًا من شبابنا (الذكور والإناث) قد اتجهت أنظارهم في معرض الكتاب الأخير إلى غير أمثال هذه الدرر من الكتب. وحصروا اهتماماتهم في كتب من أنواع معينة. لاعلاقة لها بالعلوم أو التاريخ أو الأدب أو الثقافة. وحصل تجاه بعض تلك الأنواع الدخيلة والغريبة من الكتب ازدحام. وصل إلى حدّ (التدافع). بينما لم يحصل كتاب (البحرين وعمقها العربي والإسلامي) حتى على جزء من هذا التدافع والاهتمام. رغم أن قيمته العلمية والمعنوية والوطنية تفوق تلك الكتب بمراحل عديدة! هكذا يُفترض. لولا أننا الآن صرنا نجني نتائج صناعتنا وثمارها للتفاهة وزيادة الاهتمام بها.
سانحة:
يُحكى أن رجلاً فقيرًا تصنع زوجته (الزبدة) وهو يبيعها لإحدى البقالات ليشتري بثمنها حاجات البيت. في أحد الأيام شكّ صاحب البقالة في وزن كرات الزبدة. إذ إنّ الاتفاق أنّ كل كرة تزن كيلوجراما واحدًا. وبعد أن وزنها اكتشف أنها (900) جرام! فغضب من الفقير. وقال له لن أشتري منك الزبدة لأنك تغشني. كرة الزبدة أقل من الكيلوجرام بـ(100) جرام. قال له الفقير: نحن ياسيدي لا نملك ميزانًا. ولكني اشتريت منك كيلوجرامًا من السكر. وجعلته لي مثقالاً كي أزن الزبدة التي أبيعك إياها.. تيقنوا دائمًا أن: «مكيالك يُكال لك به».