القَبَّان في اللغة هو الميزان ذو الذراع الطويلة المقسَّمة أقسامًا. ويُقال القَبَّانُ هو الحفيظ الأمين. أما بيضة القبّان فهي تلك الكتلة التي تتوسط كفتي القبان أو الميزان كي تتحكم بدقته وتحفظ توازنه وتجعل وزْن ما في داخل كفتيه صحيحاً، لا زيادة ولا نقصان. ومضت تسمية (بيضة القبّان) كمصطلح مجاز للإشارة إلى الاعتدال والأمور الوسطى التي تحفظ التوازن في مختلف البيئات والمجتمعات.
وعادة ما يبرز في حياة الناس شخصيات معينة، تمتلك الحكمة والوقار، يُكنّ لها الاحترام والتقدير، لها هيبتها ومكانتها في أوساطها، يقدّمونها في مجالسهم، إليها (مردّ الرأس) في خلافاتهم ونزاعاتهم، ويستأنسون بآرائها واستشاراتها ؛ هي في نظرهم (بيضة القبّان) التي يصعب الاستغناء عنها.
هذا المسمّى والمكانة لا تقتصر على الحياة الاجتماعية في الأحياء السكنية أو مؤسسات المجتمع المدني أو الأعمال أو المدارس والجامعات أو ما شابهها. وإنما تتعدّى كل ذلك لتكون هذه الصفة حاضرة في عالم السياسة والعلاقات بين الدول. خاصة في الأوقات العصيبة التي تعصف بالأمم أزمات وأحداث خطيرة تضيع فيها خيوط النجاة وتضيق فرص تجاوزها، وتتعقّد تداعياتها وتأثراتها، ويختلط فيها الحابل بالنابل بصورة تستدعي أن يكون من بين تلك الدول من يُنظر إليه كـ (بيضة القبّان) التي تحفظ للميزان توازنه وتعطي الأمور تقديراتها السليمة ويكون لمواقفها وقراراتها الوسطية التي تحفظ الأمن والاستقرار.
ولعلّ المملكة العربية السعودية، وما تمثله من ثقل ديني وحضاري وجغرافي في كيان الأمة العربية والإسلامية، ولما تحمله في قلوب الشعوب من محبة ومكانة، ولما تمتلكه من قدرات وإمكانيات حباها الله بها ؛ كل ذلك أهّلها لأنّ تكون بالفعل (بيضة القبّان) التي تشرأب لها اليوم كل دول العالم العربي والإسلامي وتضع ثقتها في مواقفها وتعمل على مساندتها، وترشحها لأنّ تمثلها في أية مفاوضات أو اجتماعات تخص قضايا مصيرية كالوضع السوري مثلاً.
ولأن السعودية هذه مكانتها ومنزلتها؛ فإنّ أغلب الخطط والمؤامرات التي تُحاك الآن، في الشمال أو الجنوب فإنّ هدفها النهائي هو بلاد الحرمين الشريفين، وإن ما يجري هنا أو هناك إنما هو ممر للوصول إلى تحقيق أطماعهم وتدمير القوة التي يستند العرب والمسلمون إليها.