نافذة الجمعة

الملك سلمان :” رحِمَ الله مَن أهدى إليّ عيوبي”

يُروى في ناصع صفحات تاريخنا الإسلامي المجيد أن خليفة المسلمين ، الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ كان لايفتأ أن يطلب ويردّد على رعيّته ، من منبره أو مجالسه ” رحِمَ الله من أهدى إلي عيوبي ” حتى غدت هذه العبارة الشهيرة إحدى الصفات العُمَريّة في إدارته للحكم ، ونموذجاً يُستشهد بها في علاقة الحاكم بالمحكوم وعلامة بارزة يجري استدعائها عند الكلام عن حرية التعبير باعتبارها إحدى الركائز التي تميّز بها عصر الخلافة الراشدة ، ودلالة واضحة على مقدار تواضع الفاروق وعدم إعجابه أو تفرّده بقراراته وشؤون حكمه .

في يوم الأربعاء الماضي استدعى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية هذه الصفة العُمَريّة خلال لقائه مع رجال الصحافة والإعلام والمثقفين السعوديين حينما أعلن في كلمته الضافية التي وجهها لهم قائلاً : “رَحِم الله من أهدى إلي عيوبي ، التلفون مفتوح والأذن مفتوحة والمجالس مفتوحة وأهلاً وسهلاً بمن يكتب ” معلناً جلالته عن ترحابه وولي عهده بما يُكتب ويُسدى لهم  من نصح وبيان عيوب وانتقادات تحتاجها المملكة في مسيرتها ، خاصة وأن الشقيقة السعودية تواجه عدّة جبهات وتضطلع بدور محوري ورئيسي فيما يدور من قضايا وأزمات لاسيما في محيطنا الإقليمي .

ورغم أننا في البحرين ؛ في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله قد شهدت الصحافة وعموم وسائل الإعلام طفرات نوعية ومتميزة في ممارستها للنقد وتمتعها بأجواء الحرية ، مسنودة من جلالته ومدعومة أيضاً من صاحبي السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر وولي العهد الأمين الذين يقررون دائماً في مجالسهم ولقاءاتهم بضرورة الانفتاح وممارسة حرية التعبير ويرحبون بنقد وتقييم أداء مختلف الجهات والهيئات الحكومية ، واعتبارهم أن الإعلام – بما فيه الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي – سلطة تساهم في التصحيح ونقل الآراء الناس والملاحظات ، والتعبير عن نبض الناس والشارع ، وشريك أساس في التنمية والتطوير . بالرغم من كل ذلك ؛ فقد طفت على السطح في الآونة الأخيرة مجموعة من الدهماء تمارس أدواراً مشبوهة من خلال تحركات وجهود محمومة تضيّق الواسع من الحريات وتقمع الرأي الآخر وتخوّنه أو تشكك في ولائه أو تشوّه سمعته ، وتعتبر أن الكلام في الوضع المعيشي أو الخدماتي أو الإسكاني أو ماشابهها هو تحريض وعداء للدولة ، وتنشر مفهوماً مغالطاً للمواطنة يقوم على الإخراس والتألم بصمت ، ويتم ذلك بصورة مبتذلة يتردّد أنه يقف وراءها جهات نافذة منحت هؤلاء صلاحيات تمنع عنهم المساءلة القانونية وكلفتهم بأداء مهامها تلك بدون أية خطوط حمراء!!

وحري بتلك المجموعة أو من يقف ورائها – إن صحّ ذلك – أن تدرك أن الحريات وتعدد الآراء وانتقاد الأداء إنما هي أدوات تقوّي الدولة ولاتضعفها ، وتعضد مسيرتها ولاتحرّض عليها ، وتقيّم إنجازها ولاتعاديها . وأن على الدول في علاقتها بشعوبها أن تستحضر الصفة العُمرية نفسها التي رددها يوم الأربعاء الماضي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن العزيز آل سعود في لقائه مع الإعلاميين . وعلى الحكام والوزراء والمسؤولين أن يكون لسان حالهم تجاه من يقول لهم ( كل شيء تمام ) أيضاً مقولة وردت عن الخليفة الفاروق :”وماذا أصنع بأقوام يُخفون عنّي عيوبي “.

سانحة :

قال الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ( قبل يوم واحد من فراره وزوال ملكه ونظامه ) في العام 2011م عندما خرج – في شاشات التليفزيون – على شعبه الذي حكمه لأكثر من عقدين من الزمان : ” أنه سيُحاسِب من حجب عنه الحقائق ، ومن نقل إليه معلومات مضللة ، إن الوضع يفرض تغييراً عميقاً وشاملاً ” ثم قال : ” لقد ضللوني .. أنا فهمتكم الآن وفهمت الجميع ” وكان ذلك القوْل في الوقت الضائع .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s