في الواقع لم أرغب في العودة إلى التطرّق عن القصة الغريبة لإيقافي عن الكتابة الصحفية لولا أنه بمجرّد أن استأنفت كتابة أوّل مقال لي في مدوّنتي بعد التوقف ؛ توالت علي أسئلة كثيرة ارتأيت الإجابة عنها في العموم دون التفصيل .
إنها حادثة نادرة ونموذج سيء وحالة غريبة ومعيبة في حق حرية التعبير ؛ هي أغلب العبارات المتعاطفة والمستهجنة التي طرقت مسامعي خلال الأيام القليلة الماضية بعد إيقافي عن الكتابة الصحفية في جريدة أخبار الخليج . حيث أن الإيقاف تم لسبب مقال لم يُنشر ( لم يُنشر ) على متْن صفحاتها ، حتى أن أحدهم علّق على غرابة هذا الـ (case) بأنه يستحق وضعه في موسوعات الأوائل أو النوادر !!
البعض يريد أن يعلّق مشاكل الصحفيين على شمّاعة تأخر صدور قانون الصحافة وعدم مجاراة القانون الحالي للتطلعات والآمال ومسايرته للتطورات المتلاحقة في هذا المجال الذي يزداد اتساعاً ؛ لكنني اليوم أسأل كل هؤلاء ، وبكل أريحية : أين تُفسّر حالة إيقافي عن الكتابة الصحفية ؟ وماهو موقعها من الإعراب سواء في القانون الحالي أو مشروع القانون المعدّل والمطوّر ؟! في الواقع أنها في الاثنين غير مغطاة قانونياً ، وليس لها من سند سوى التعسّف في التربّص مثلما وصفها لي جمْع ممن تواصلوا معي .
بالمناسبة سألني أحد قرائي الكرام : ماذا فعلت لك نقابة الصحفيين ؟ فأجبته بأنه ليس عندنا نقابة وإنما اسمها جمعية للصحفيين ، عضويتي ممتدة فيها منذ سنوات ، ربما منذ تأسيسها ، لكنها – بالرغم من ذلك – لم ترفع حتى سمّاعة الهاتف لتسألني عن إيقافي عن الكتابة وتستفسر أو تتضامن معي تجاه هذا التعسّف والإيقاف أو تقدّم أي نوع من الدعم بحسب العبارات الرصينة و( الحلوة ) الواردة في رؤيتهم ورسالتهم أو نظامهم الأساسي الذي جاء في البند الثاني من مادته السابعة : ” رعاية حقوق الصحفيين والدفاع عن مصالحهم وتمكينهم من أداء رسالتهم الصحافية والعمل على ضمان الحرية اللازمة لهم لأداء واجبهم الصحافي “.
سألني آخر عن دور الجهات الرسمية – كوزارة الإعلام – وتدخلهم لحماية الصحفيين وحريتهم والوقوف معهم ، فرددت عليه بأنه عندنا على الورق كل شيء جميل ومبهر لكنهم على أرض الواقع لم يختلفوا عن ماقلته لكم عن جمعية الصحفيين .
قبل بضعة أعوام ؛ كنت ضيفاً في حوار في جريدة الوقت – قبل إغلاقها – وكان محور النقاش عن هامش الحرية المتاح لكتّاب الأعمدة الصحفية ، حينذاك شرحت في حرية الصحافة وأسهبت في مدحها وتحدثت عن فضائها الذي كنت أحسبه واسعاً؛ لكنني اليوم ، وبعد إيقافي بهذه الصورة المجحفة والغريبة ؛ أتساءل : ماذا يمكنني أن أقول عن حرية الصحافة لو سألوني عنها مجدداً ؟!!
في شهر مايو الماضي ، إبّان تكريمي في يوم الصحافة البحرينية من لدن ورعاية صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفه رئيس الوزراء الموقر ؛ كانت لنا تعليقات مفتخرة وجميلة عن الحرية الصحفية ، وكان الأجمل منها هو ما كان يردّده صاحب السمو الأمير الرئيس – كما يسميه أستاذنا الكاتب القدير حافظ الشيخ – حينما التئم المكرّمون والتفّوا حول سموّه في نهاية الحفل مودعين وشاكرين له رعايته الكريمة للحفل ؛ كانت العبارة الأبرز التي علِقت في ذهني ، هي قول سموّه : ” اكتبوا وانتقدوا نحن نسمعكم “. ولم يخطر ببالي أبداً أنه بعد حوالي ستة أشهر من هذا التكريم الغالي ؛ تقوم جريدتي التي أمضى عمودي الصحفي فيها قرابة (13) عاماً يإيقافي عن الكتابة لسبب مقال لم يُنشر أصلاً على صفحاتها ! وتعاقبني على نشره في مدونتي وتعليق قرائه عليه وطريقة نشرهم له !! وتجعل منّي بصورة مفاجئة – من غير حوْل منّي ولاقوّة – نموذجاً يتلقاه ويتمنّاه آخرون في بعض المواقع والقراطيس والدكاكين كدليل إثبات على قمع الحريات وتكميم الأفواه .
إنه لأمر محيّر أن تُعلي قيادة البلد حفظها الله من شأن الحريّات ثم يأتي من يخرق هذا الإعلاء والتوجّه ، ويخلق نماذج غير محسوبة ولأسباب غير متوقعة في تكميم الأفواه وقمع الآراء ، لاترتضيها الدولة وليست في صالح وطننا العزيز.
أخيراً ، وردّاً على من سأل أو أشاع وربّما تشمّت ؛ لاتوجد أو لم تحصل البتة بيني وبين أحد في أخبار الخليج ( هوشه ) ولم يكن الإيقاف بناء على خلاف أو ماشابه ذلك ، ولاعلم لي بوجود وشاية أو تحريض أو توجيه ، أبداً لم تكن له مقدّمات ولاحتى مجرّد توقعات ، فقد كانت مفاجأة هذا الإيقاف لاتقلّ عن غرابة أسبابه ! ولايربطني بهم إلاّ الاحترام والتقدير ، كان ولايزال ، وليس من طبعي أن أسقط احترام أحد .. كل الشكر والمحبّة لمن سأل عني .
سانحة :
من الأشياء المفرحة ؛ هو أن عدد المشتركين بريدياً في مدونتي الخاصة قبل إيقافي عن الكتابة الصحفية كانوا لايتجاوزون الـ (2500) مشترك تصلهم مقالاتي تلقائياً في إيميلاتهم ، لكنهم الآن تضاعف عددهم فبلغ (7902) مشتركاً حتى كتابة هذه السطور . سطوة الإعلام الجديد أكبر مما يمكن تصوّره والوقوف عند حدوده ..
للأسف نرى التركيز على حقوق المجرمين من قبل الكثير من الجهات ، لكن بالنسبة عن المظلومين ومن لهم حقوق فعلا ، فلا حياة لمن تنادي.
إعجابإعجاب