بمجرّد أن تم الإعلان المفاجيء عن رفع سعر البترول منتصف هذا الأسبوع ؛ انهالت التعليقات و(النكات ) بصورة ضجّت بحجمها مختلف وسائل التواصل الاجتماعي تعبيراً عن حالة تنفيسية – وليست ترفيهية – بشأن القرار الذي أصاب معايش الناس بأضرار لايستطيعون تحمّلها في ظل أوضاع معيشية هي أصلاً صعبة .
وبالرغم من تعدد تلك ( النكات ) وتنوّع مجالاتها وأفكارها وشمولها لمناحي وأوْجه عدّة إلاّ أنها على مايبدو قد فاتتها ( نكتة ) كبيرة أستغرب عدم التطرّق لها و(شلون طافت) ولم تصل إليها إبداعات الكوميديا التي أعقبت رفع سعر البنزين !
وما أقصده هنا ؛ أنه بينما الوضع الاقتصادي يلقي بظلال قاتمة – ولانقول سوداء – على مستقبل الأيام القادمة ، وبينما القلق والخوف يخيّم على لبّ عقول الخبراء والمستشارين وأهل المال والاقتصاد ، وبينما تأثيرات الأزمة الاقتصادية باتت تمسّ مداميك هامة في حياة الناس لم يطرأ عليها تغيير منذ عقود من السنوات ، كقضية رفع الدعم عن السلع والخدمات ، وبينما هذه التداعيات يعرف الجميع أنها ستعرّض مصالح السوق التجاري والمستثمرين وقبلهم المستهلكين لأضرار ربما غير محسوبة جعلت الجميع في مواقع الترقّب والقلق من قادم الأيام .
بينما الأمر كذلك وأكبر ؛ يتفاجأ جمهور الناس بأن غرفة تجارة وصناعة البحرين المسمّاة ببيت التجار في وادٍ آخر ليس له علاقة من قريب أو بعيد بحالة ( الحيص بيص ) التي عليها الوضع الاقتصادي حاليا ، مع أن الغرفة التجارية هي الجهة المسؤولة عن السوق التجاري والمعنية بحلّ مشاكله واحتوائها ، وهي الجهة التي تمثّل مصالح أهل المال وأصحاب المشروعات ، صغيرها وكبيرها ، وحمايتها والدفاع عنها ، وهي التي يُقال عنها في الدول الأخرى ( رمّانة الميزان ) التي تقارب بين التجار والمستهلكين ، وهي التي تقدّم مساهمات كبيرة في استقطاب الاستثمار وتهيئة أجوائه وحل عقباته . وهي … إلى آخره مما لها من أدوار ومهام ومسؤوليات تضطلع بها خاصة في أوقات الأزمات والمحن الاقتصادية والمالية .
صحيح أن بيت التجار عندنا قد ابتعد منذ عقود – وليس الآن فقط – عن المشهد الاجتماعي والسياسي في البلد وأصبح شبه منعزلاً عن حياة الناس وبعيداً عن الاقتراب الحقيقي من قضاياهم ومشاكلهم ، وقطع تواصله مع فئات كبيرة من الشعب ، وغاب عن وملامسة همومهم ومشكلاتهم والعيش في أوساطهم ، ونأى بنفسه عن أي حراك مجتمعي مؤثر . لكن ليس متصوّراً أبدا أنه الآن في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الحرجة التي استقطبت جلّ اهتمام المجتمع بمختلف فئاته ومؤسساته ؛ نرى غرفة تجارة وصناعة البحرين قد انشغلت بانشقاقاتها وتصفية خلافاتها على نحو سافر أبعدها تماماً عن مجمل نبض المجتمع في الوقت الذي يُفترض أن تكون هي في طليعة ذلك .
هي في الواقع (نكتة ) تصف حال عدد من الكيانات والمؤسسات التي ينطبق عليها المثل الشعبي ” الناس في زلزلة والعروس تبي رَيِل ” وهو تعبير بليغ يُقال عندما تتعقد الأمور وتتأزم وتتصاعد وتيرتها فيأتي من يقول كلاماً أو يقوم بأعمال ليس في وقتها ولاتتناسب في مكانها وزمانها مع تلك الأمور ، ويكون الاهتمام بها مدعاة للاستغراب أو الاستهجان ، ومثاراً للسخرية والاستهزاء .