يُقال في اللغة العربية الذُّباب والذِّبان . وكانت العرب تجعل الفراش والنحل والزنابير كلها من الذبّان . وقيل أنهم إذا أرادوا التصغير والتقليل والاحتقار ضربوا بالذبّان المثل . والعرب تسمي طنين الذبان والبعوض غناءً. وهي في التعابير المجازية تُستخدم كبديل أو للتشبيه بالمتطفل .
وكان اليونانيون القدامى يقدمون العجول قرباناً للذباب . وكان الآشوريون من قبلهم يقدمون القربان كذلك رجاء تجنب أذى الذباب وإزعاجه الذي لا يطاق . وكان معروفا منذ القدِم لدى العرب أن تكاثر الذباب دليل على عفن التربة وتخن الهواء ( تلوّثه ) . وكانوا يتقززون منه أيضاً لأنه يعيش ويتكاثر في أكوام الفضلات والقاذورات . وأبلغ تعبير عن ذلك القولة المشهورة للفرزدق” : ليت أنهم دفعوا إلي نصيبي من الذبان ضربة واحدة، بشرط أن آكله لراحة الأبد منها” لالشيء سوى لأنه ملحاح – أي الذبّان – يُطرد فلا ينطرد ، ولذلك يقال في الآثار : “ثلاثة أشياء لا يمكن الإفلات منها هي الموت والضرائب والذباب “
على أن طباع الذبّان يمكن أن يتقمّصها الإنسان ، وتتعرّف عليها في بعض الأشخاص خاصة من الباحثين على الدوام عن ( الدسم ) الملازمين للأكل ومجاورة الفضلات والأوساخ ، ويتقزز منهم الأسوياء من الناس ويكونون مكروهين ومعروفين في دنيا الناس بأنهم مَلَق ، وهو الذي يُعطي بلسانه ما ليس في قلبه .
بعض هؤلاء ( الذبّان الآدمي ) أصبحوا أعلاماً في النفاق والتطبيل ، لاتفوتهم مناسبة ولامهرجاناً إلاّ وتصدروه كذباً ونفاقاً ومجاملات ، وصاروا يتكاثرون ويتوالدون بالضبط كما الذبّان ، يحومون حول المسؤولين ويلازمونهم في ( الطالعة والنازلة ) يصفقون ويمدحون بحق وبغير حق . وصاروا في الآونة الأخيرة كما الحاجز الذي يضيق على الناس تنفسهم ويمنع عنهم حتى إظهار معاناتهم ، وباتوا يفرزون أنواعاً عديدة من ( الطنين ) لاعلاقة لها بمعايش الناس وحاجاتهم وشكواهم ، ويمارسون أدوار كذب وتضليل وتدليس بصورة يعتقدون أنها الأنفع للوطن ولقيادتنا الرشيدة .
واستشرى هذا ( الذبّان) خاصة بعد القرارات المتعلقة برفع الدعم وتعاظم الأزمة الاقتصادية وتداعياتها وتأثيراتها فصار بالنسبة لهم كما الموسم الذي يقدّمون فيه خدمات من مثل تكميم الأفواه وتخوين النقّاد وإسكات ( المتحلطمين ) وتحسين القبيح ، وتشويه حتى الصورة الجميلة عن البحرين في مجال الحرية والتعبير عن الآراء . ويحدث ذلك رغم أن منطق الأشياء يقول أنه بالذات في ظروف الأزمات والمحن يحتاج الحكّام وشيوخنا حفظهم الله إلى مجسّات حقيقية تنقل لهم نبض الشارع وترشدهم إلى مشاكل الناس وتُطلعهم على حقيقة أوضاعهم وتُعرّفهم بأحوالهم وتُسمعهم آهاتهم ، ولايحتاجون إلى ( طبول ) تغني وترقص .
سانحة :
يقول الشاعر :
يا لائمي الذّبابْ أمْسكواْ عليكمُ المَلامَة دعوها، فالزّمان ذا زمانها مُذ أشْرعتْ لها شبابيك البلاد !