المقالات

ربيع الثقافة ومحله من الإعراب

جريجوري بورتر” و”كاظم الساهر” و”كاش – فرقة أكرم خان” و”حكاية تيدلر ” و”كارمن سيكوندو” أوركيسترا دي بياتزا فيتوريو” و”سيل” و”فندق باراديسو” و”رودريغو وجابرييلا” و”فلون” و” اندريا هيراتا ” … إلخ من عناوين فعاليات تم الإعلان عن بدء بيع تذاكرها الأسبوع الماضي تدشينا لما يُسمى مهرجان ربيع الثقافة الذي بات السمة البارزة عنه في عرف الناس أنه ربيع لايمتّ للثقافة بصلة حيث يجري سنوياً في مثل هذا الوقت استقدام مغنين وراقصين وفرق استعراضية وسيمفونية من الشرق والغرب ( للردح ) عندنا وممارسة الـ ( الهشّك بشّك ) تحت غطاء يسمّونه الثقافة !! فيما هو لاعلاقة له بالمدلولات المعروفة للثقافة لولا أنّه قد تم خلال السنوات القليلة الماضية فرض هذا المفهوم الـ (مسْخ) للثقافة في البحرين ، ثقافة تقوم على الرقص والطرب ، والاغتراب عن قيمنا وعاداتنا ، وجرى تسويقها على مجتمعنا وإفهامنا – غصباً عنّا – أن هذه هي الثقافة حتى لو كانت لاتقوم على أساس بيان مقدّرات العروبة والإسلام ، وحتى لو ضاعت فيها القيم وتلاشى منها الفكر وغابت عنها المعلومات وتراجع عنها الأدب ، وحتى لو باتت أدوات هذه الثقافة ( المسْخ ) تغريب وتفريط ، وتمييع وتضييع ، وإساءة لمقدّرات الوطن الثقافية وانتماءاته الحقيقية واهتماماته وقيمه وعاداته ،   وحتى لو أصبحت لاتعبّر عن هويتنا أو انتمائنا أو ماشابهها من مفردات صارت أغلب الدول تحرص على إظهارها وتتسابق على التمسّك بها في مهرجاناتها الثقافية ، فتقوم بإبراز مفكريها ومسرحييها وأدبائها ومؤرخيها وتراثها ، وتدعمهم وتشجعهم باعتبارهم وجهها الثقافي والحضاري . وبالتالي لايستقدمون أو يجمّعون ماترون وتسمعون من كل حدبٍ وصوب في مهرجانات هي أقرب إلى الحفلات الغنائية والراقصة ، ويريدون منّا تصديق أنها مهرجانات ثقافية !!

على أنه إذا لم يكن مفهوم الثقافة والتعبير عن هويتنا وانتمائنا في وارد الاحترام ؛ فإنه كان الأمل أو التوقع أن مثل هذه المهرجانات البائسة ستتوقف الآن ، لايناسبها المكان والزمان . حيث تتقاذف الأخطار عموم المنطقة والإقليم وتتزايد الأطماع حولنا ، وطبول الحرب ترتفع أصواتها . بل وتشارك قواتنا الباسلة في عاصفة الحزم لصد العدوان عن البوابة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية ومنع المدّ الصفوي المتعاظم عن الوصول إلى عقْر دارنا . وعموم المنطقة أشبه ماتكون على صفيح ساخن قابل للانفجار في أية لحظة خاصة في الشمال حيث تتصاعد نُذر قيام حرب عالمية في بلاد الشام التي تتقطّع القلوب وتدمع العيون لهول المذابح وفظاعة المجازر هناك ، الموت بلا حساب ، والدماء تجري كما الأنهار ، والدمار لايوصف ، شهداء وجرحى ولاجئون ومشردون وأرامل وثكالى وأيتام بمئات الآلاف يشكلون – بكل معنى الكلمة – كارثة إنسانية غير مسبوقة تحلّ بشعب عربي مسلم يستحق منّا أن ننصره ، وأن نرفع  أكّف الدعاء متضرّعين خاشعين مشفقين للمولى عز وجل بدلاً من أن ( نتثقف ) بهذه الطريقة المخجلة والمنزوعة من الإحساس والمروءة والنخوة في وقت عصيب تواجه فيه الأمة تحدّي البقاء ونحتاج في أوطاننا إلى المحافظة على نعمة الأمن والأمان والاستقرار ، وهي نِعَمْ لاتتأتى إلاّ بشكره سبحانه وتعالى ، شكر لاتختلط به أو تشوبه معصيته ومحادّته بمثل هذا الربيع وشرواه مما قد يجلب علينا غضبه تعالى ونقمته .

سانحة :

وبينما الأزمة الاقتصادية تضرب أطنابها ، وسياسات الترشيد وشدّ الحزام ورفع الدعم ، ومطالبة المواطنين بالتضحية والتأقلم والتفهم و( عدم التحلطم ) ومساندة الإجراءات الاستثنائية حتى لو مسّت صميم معايشهم وأضرّت بمداخيلهم وأقلقتهم على القادم من الخطوات في مستقبلهم ، ويُقال لهم ( مدّ الرجل على قدّ اللحاف ) بينما الأمر كذلك ؛ لايستطيع أحد أن يجد – وسط كل ذلك – لما يُسمى بـ ( ربيع الثقافة ) محلاّ من الإعراب !!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s