المقالات

ماذا تفعل الماشطة بالوجه العكر؟!

 منشور في جريدة الشرق القطرية : http://cutt.us/Kdfz4

لعلّ أسوأ أنواع الإعلام في عصرنا الحالي هو (النسخة القديمة) منه الذي لا يزال البعض يحرص على استخدامها واللجوء إليها دون أن يدرك أنها (موديل) انتهت صلاحيتها وتجاوزها الزمن. هذه النسخة البالية تقوم على أساس تشغيل من يقومون في وسائل الإعلام و(الميديا) بأدوار تتعلق بالنفاق أو التطبيل أوالتزمير أو يؤدون أعمالا بالنيابة عنهم في التضليل أو التوجيه أو التلميع أو تصفية حسابات أو غير ذلك من أعمال ربما جلّها انتهى استخدامه وتداوله في أغلب دول العالم حيث لم يعد في عصر الثورة المعلوماتية والوفرة التقنية الآن أي قبول لوجود شخصيات إعلامية من مثل (يونس الجبوري) الذي سلّمه جوزف غوبلز وزير إعلام الدولة النازية إبّان الحرب العالمية الثانية 1939-1945م إدارة إذاعة “برلين العربية” وتم تكليفه بمهمة التطبيل لـ (هتلر) ومناصرته على الإنجليز فكان يبشر العرب بالنصر نكاية بالاستعمار الإنجليزي، فيظهر على ميكرفون تلك الإذاعة بصوته الجهوري قائلاً “هنا برلين حيّ العرب” مثيراً الحماس والعزة من منطلق المشاعر العربية القومية التي كانت تكره الاستعمار الإنجليزي الجاثم على كثرة من ديار العرب آنذاك. فكان يبشر بانتصارات هتلر ويردد وينادي “بلاد العرب للعرب” حتى اكتشف العرب أن الذي سقط هو هتلر وليس الإنجليز!
إن خطورة الاستمرار في النسخة القديمة للإعلام تكمن أيضاً في أن من يبيع اليوم مبادئه وقناعاته وضميره ومهنيته لأجل المال أو المنصب أو … إلخ ؛ يبيعها غداً لمن يشتريها بثمن أكبر، فأسواق البيع والشراء في هذا المجال – مجال (الجوقات البائسة) – لا تختلف كثيراً عن أسواق النخاسة وبيع الذمم وتسويق الوهم، ومع كل عمليات بيع وشراء تظهر فضائح قد تسئ أكثر للمشترين، ويزيد الخطر في هذا المجال إذا كان من بين أولئك المُسْتَخدمين أراذل أو مسعورون أو دخلاء وغرباء على الأوطان، ديدنهم وهدفهم استنزاف الأموال وإن كانوا يظهرون الدفاع عنها. وذلك في حالة نصب واحتيال باتت مكشوفة ولا تغيب الأمثلة بشأنها.
على أن الأهم في هذا الجانب هو أن الزمان قد تغير، وأن (العيال كبرت) فعصرنا الحالي قد تقاربت فيه المسافات وتداخلت الشعوب وصارت (الميديا) والاتصالات ركناً أساسياً في حياة الأمم، وأصبحت الحقائق والمعلومات أمراً مشاعاً لا تقلّ في توفرها ووضوحها عن الشمس في بارقة النهار، وأن طفرة التطوير والتعدد والانفتاح قد ثارت على ظواهر وحالات التعتيم والمنع واللون الواحد والتزييف والتزوير والتطبيل والتضليل والتلميع، وارتفعت مدارك الإنسان وأصبح يعرف ما يدور حوله ويفهمه على النحو الذي لا يجعله خارج المرحلة، ولا يتركه جاهلاً في اختياراته، مسلوباً في إرادته، مضللاً في مواقفه، مقهوراً في قناعاته، وبالتالي لا ينبغي الاستمرار في التعامل مع (العيال) على أنهم مجرّد (عيال) صغار لن يكبروا، وأنه لا يصلح لهم سوى الإعلام بنسخته القديمة التي تجاوزها قطار الزمن.
سانحة:
يقول إخواننا المصريون في أمثالهم الشعبية بلهجتهم العامية الجميلة ” إييه تعمل الماشطة في الوش العِكِر”. أما ” الماشطة ” فهي التي تمشّط الشعر وتزيّنه. وأما ” الوجه العَكِر” فهو الوجه القبيح الكريه. ومعنى هذا المثل هو أن هذا الوجه الذي يجمع صفات النكد والقبْح وفقدان الجمال، لا تصلح معه زينة أو أدوات المكياج أو ما شابهها من عدّة التجميل التي تحملها “الماشطة” فهو مهما تم تلوينه وتمشيطه يبقى كما هو، لا يتحسّن ولا يتغيّر، فهو “الوجه العَكِر”.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s