التقيت نهاية الأسبوع الماضي مصادفة مع أحد الزملاء الأعزاء ، جمعتنا أيام الدراسة ثم فرقتنا صنوف المشاغل والمتاعب حتى أفقدتنا – أو كادت – أفضل الأصدقاء والأحبة الذين صرنا بالكاد نلتقيهم أو نتعنّى ولو مجرّد السؤال عنهم .. صديقي العزيز هذا التقيته في سوق المحرق ، بالقرب من حلويات شويطر الشهيرة . في البداية ( تشرّهنا) على بعض ثم قرّرنا أن نبحث عن استراحة أو مكان في سوق المحرق نتبادل فيه أطراف الحديث والذكريات وبثّ الشجون فلم نحصل على بغيتنا حيث تعلمون الحال السيئ الذي وصل إليه هذا السوق العتيق حتى أن المحلات التي احترقت منذ مايقارب الأربع سنوات هي هي لم تتغير ولم يجر تعديلها وترميمها وإعادة الحياة لها .
قرّرت مع صاحبي أن نمضي سوالفنا ونحن نسير على الأقدام في طرقات وردهات سوق المحرق ، فكانت المحطة المباشرة لتحركنا هي سوق القيصرية حيث أخبرت صديقي أني لاأذكر عدد المرات التي كتبت في عمودي الصحفي راصد بأخبار الخليج – قبل إيقافه – عن تأخر تنفيذ مشروع تطوير سوق القيصرية الذي إذا لم تخنّ الذاكرة مضى أكثر من سبع أو ثمان سنوات على قرار تطويره فيما هو صامد كما هو ، مثله مثل عموم سوق المحرق المتروك للبلى والإهمال بينما تم في الدول المجاورة إنشاء وإحياء الأسواق الشعبية وجعلها معالم سياحية واقتصادية – ربما تشدّ لأجلها الرحال – مثل سوق واقف في قطر وسوق المباركية في الكويت .
صديقي التقط كلامي عن الكتابة الصحفية وسألني ( مارجّعوك تكتب ) فأجبته بالنفي وأخبرته بأني حاليا نقلت عمودي الصحفي في بعض جرائد الدول المجاورة ، قطر وسلطنة عمان ! ضحك صاحبي وقال البارحة كنت مع (الربع ) نقرأ تصريحات وبيانات عن حرية الرأي والتعبير بمناسبة يوم الصحافة و(متنا ) من الضحك حينما تذكّرنا ( سالفتك) ، وقّفوك عن الكتابة في أخبار الخليج بسبب مقال غير منشور فيها !! ( عيل لو كان منشور في الجريدة شنو بيسوّون لك ) أي حرية صحفية أي ….. !
ولأن الموضوع بالنسبة لي مؤلم ومضحك في ذات الوقت فقد غيّرت (السالفه) بسؤاله عن عمله حيث شكا من حيرته ؛ هل يتقاعد أو يستمر في العمل بعد كل هذه الإشاعات والتسريبات حول التغييرات التي ستطال أنظمة التقاعد وتمس حقوقهم ومزاياهم ، وتكبر سن التقاعد إلى (٦٥) سنة في حين أننا منذ ( طوّفنا الأربعين ) صادنا الضغط والسكر ولما قاربنا الخمسين صرنا نصلّي على الكرسي ! الناس في حالة ( حيص بيص) رغم التطمينات بشأن مكافأة نهاية الخدمة . فهذا شأن معيشي بالغ الأهمية في حاضرالناس ومستقبلهم .
ضمن ( سوالفنا ) أيضا سألني صديقي بقوله : الحين بعدما تم رفع أسعار اللحوم والكهرباء والوقود؛ هل انخفض العجز في الميزانيات وقلّ الدين العام ؟ فرددت عليه : والله مادري لكني لاأتوقع ، لأن أغلب هذه الإجراءات لم تكن وفق دراسات وخطط واضحة وإنما قد تكون جاءت على طريقة (تيش ابريش) !!
” تيش ابريش معلّق بالعريش” هو من الأمثال الشعبية الكويتية ، وجاء في كتاب الأمثال الكويتية المقارنة لصاحبه أحمد البشر الرومي أنه يُروى في قصته أنه كان يوجد “مطوّع ” ” يدّعي القدرة على شفاء الناس بأن يقرأ عليهم عبارات معينة ويدوّن لهم أحجبه . وحدث ذات مرة أن أعطى أحد مرضاه ” تميمة ” وحملها المريض ولكن لم يشف من مرضه . وفكّ أهله الحجاب “التميمة ” التي أعطاها إياه “المطوّع” فوجدوا مدونّاً فيها ” تيش ابريش معلق بالعريش ، إن طابت طابت وإلا عساها ماتطيب” . فصارت هذه العبارة مثلا على التخبط والعلاجات غير المدروسة أو القائمة على الصدفة . وربما أضحت مثل هذه العبارة صالحة للاستخدام في التعليق على كثير مما نقرأه في أوراق الصحف عن خطط واستراتيجيات ومشروعات وإنجازات ومثلها ولكنها تبقى مجرّد أحبار سالت على الأوراق على طريقة ” تيش ابريش معلق بالعريش ، إن طابت طابت وإلا عساها ماتطيب” .
سانحة :
من الأقوال المشهورة لصاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة رحمه الله ” نريد أن تكون الإنجازات تصريحاً لا أن تكون التصريحات إنجازاً “.