انتظم صباح يوم السبت الماضي في العاصمة البحرينية عقد عدد غير قليل من المجالس الأهلية في ملتقى –ربما– هو الأول من نوعه، وذلك بناء على دعوة وتنظيم من جمعية التجمع الوطني الدستوري التي ارتأت إقامة هذا الملتقى قبل بداية رمضان المبارك لما يضفيه هذا الشهر الكريم من حلّة تتميز بها المجالس الشعبية فيه عن بقية الشهور.
الذي قام برعاية هذا الملتقى هو معالي الوالد الفاضل خليفة بن أحمد الظهراني الرئيس السابق لمجلس النواب وصاحب أحد أقدم تلك المجالس المستمرة منذ زهاء العشرين عامًا.
والواقع أن المجالس والديوانيات في عموم دول مجلس التعاون الخليجي والبحرين خصوصًا أصبحت أحد المكوّنات الرئيسية للحياة الاجتماعية منذ عقود من الزمن، وصار التصاق الناس بها هو أقرب إلى النواحي المعيشية المعتادة التي لا ينفكّون عنها. بعض تلك المجالس صغيرة وعادية وبعضها محل تجمعهم أو هي (ملفاهم) وحتى ملاذهم ومكان تكافلهم وتعاضدهم. بل بعضها صار أشهر من المنطقة التي يقع مقرّه فيها لتعاظم أثره وكثرة روّاده.
ومع تطوّر المجتمعات وتنامي دور مؤسسات المجتمع المدني؛ تنامى في السنوات الأخيرة الاهتمام بالمجالس الأهلية وباتت تأخذ أدوارًا –ربما– قريبة من دور تلك المؤسسات، تُقام فيها المحاضرات والندوات التي تتناول مختلف قضايا الشأن العام حتى أنه برزت بعض المجالس كمواقع مؤثرة في تكوين الرأي العام أو أنها تستقطب فعاليات وشخصيات لتوضيح أو بيان مثل تلك القضايا ومعالجة مشكلات وطرح ظواهر.
يمكننا التأكيد أيضًا أن المجالس الأهلية في البحرين قد قامت بدور فاعل في تطويق الأحداث المؤسفة التي حصلت في العام 2011م وأظهرت معادن خالصة في الولاء والانتماء وحبّ الوطن وحمايته من تلك الأخطار التي كانت محدقة بأمنه واستقراره، وقدّم كثير منها نماذج مبهرة في التلاحم والمحافظة على الوحدة الوطنية.
الملتقى الناجح الذي نظمته مشكورة جمعية التجمع الوطني الدستوري ارتكز على دور المجالس في محاور عديدة كان أهمها: دعم تماسك اللحمة الوطنية والتوعية السياسية والتنمية الاجتماعية وتعزيز الحوار بين مكوّنات الشعب بالإضافة إلى تعزيز الثوابت الوطنية.
راعى الملتقى الأول للمجالس الأهلية الوالد خليفة الظهراني ألقى كلمة اختصر فيها أهمية هذه المجالس ودورها حيث ذكر أنها أصبحت في البحرين جزءًا من نسيج هذا الوطن، وأثبتت على الدوام أنها شعلة مضيئة من الخير والعطاء يتضافر الجميع من أجل استمرار جذوتها عبر جهود مخلصة يقوم بها أصحابها ويعملون على أن تحصد هذه المجالس ثمارها، خدمة للناس ورفعة الوطن مضيفًا أنه منذ قديم الزمان، نقول (مجالسنا مدارسنا) منذ أن كان التعليم بعيد المنال، والمدارس نادرة، لكن المجالس كانت حاضرة، نتداول فيها شؤوننا، نذلل مشاكلنا، نتعلّم فيها ويتربّى الأبناء منها، وأصبحت بمثابة غرس من القيم والأخلاق التي –ربما– لا يتحصّل عليها من غير مخالطة الناس في هذه المجالس المنتشرة اليوم بفضل الله.
بقي أن نشير -أيضا– إلى ضرورة الحرص على أن يتربّى أبناؤنا على حضور هذه المجالس، فبعض العادات، وبعض القيم، خاصة تلك التي تتعلق بموروثاتنا الشعبية يصعب التربية عليها أو اكتسابها من غير تلك المجالس التي قيل عنها بالفعل “مجالسنا مدارسنا”. فشكرًا لمنظمي هذا الملتقى الرائع.