وردت في اللغة بعدّة معانٍ ، ففي تاج العروس ( السَّنَع ) : الجمال ، ويُقال هذا أَسْنَعُ أي أَفْضَلُ وأَشْرَفُ وأَطْوَلُ . ورجل سُنَيْعٌ أي مشهورٌ بالجَمالِ المُفرِط ، والسَّانِعَة : الناقةُ الحسَنةُ الخَلْق وقالوا : الإبلُ ثلاثٌ : سانِعَة ووَسُوطٌ وحُرْضان فالسّانِعَةُ ما تقدّم والوَسوط : المُتَوَسِّطة والحُرْضان : الساقطةُ التي لا تَقْدِرُ على النهوضِ . اما في لسان العرب فإن السِّنْعُ هو السُّلامَى التي تصل ما بين الأَصابع والرُّسْغِ في جوف الكف ، والسَّنيعُ الحسَنُ الجميلُ وامرأَة سَنِيعةٌ جميلة لينة المَفاصِل لطيفةُ العظام .
وهكذا ؛ فقد أفردت المعاجم والقواميس العربية لهذه الكلمة أبواباًعدّة لشرحها وبيان المعاني التي تندرج تحتها ، والتي في غالبها تتكلم عن قيَم الجمال والحُسن والصفاء . كما تطرّقت إلى قصص أو مواقف غريبة في توضيح معناها من مثل شخص كان يُسمى سُنَيْعٌ الطُّهَوِيّ أَحد الرجال المشهورين بالجمال الذين كانوا إِذاخرج في مواسم أو قوافل يُطلب منه أن يتلثم كما النساء مخافة فتنتهم !
ورغم أن كلمة ( السَّنع ) لها جذر لغوي مشهور كما أسلفنا – ربما كثيرون منّا لايتوقعونه – إلاّ أنها مضت في لهجتنا الدارجة في عموم دول الخليج العربي ككلمة عامية يجري إطلاقها على معرفة القواعد والآداب العامة في السلوك والتصرف مع الآخرين ومراعاة شعورهم وطريقة التعامل معهم .
حرصت الأسر العربية بالذات على أن يكون هذا ( السَّنع ) حاضراً على الدوام في سمْتها العام يتناقلونه بينهم ويتوارثونه ضمن العادات والتقاليد المرعية في مجتمعهم بصورة لايمكن مخالفتها لأنهم يعتبرونها دلالة على طيب الأصل وحسن التربية وعلوّ الأخلاق . وأي خطأ في ممارسة السّنع والذوق يعتبرونه منغصة ومدعاة للوم والاستنكار.
على أن هذه الآداب والقواعد المسماة بـ ( السَّنع ) لايتعلّمها الخليجيون في المدارس والجامعات ، ولايمكنهم أن يتقنونها في تلك المراكز العلمية بقدر ماهي تنشئة منذ الصغر يتولى الآباء والأمهات غرسها في أبنائهم من خلال عدّة طرق ، لعلّ أهمها مرافقتهم خارج المنزل واصطحابهم إلى ديوانيات ومجالس الكبار ، يكتسبون من خلالها آداب السلام وطرق العناق و(المخاشمة) ويتعلمون الصفات الصحيحة ويأخذون أسلوب الحديث بثقة وقواعد الكياسة و( الذرابة ) ويتقنون حسن الاستماع وما شابهها من مهارات وقدرات اعتادت مجتمعاتنا على أنها لاتتأتى للأفراد إلاّ عن طريق المخالطة والتواصل مع الناس ، ولايمكن لصفوف الدراسة ومعلّميها تلقينها لطلبتهم كما المواد التعليمية الأخرى .
ورغم الأهمية الكبيرة التي نوليها لـ ( السَّنع ) وحساسيتنا تجاه الخلل فيها إلاّ أنه من غرائب الأشياء أن غالب قواعدها محفوظة في الصدور وغير مكتوبة في الأوراق ، نتربى عليها ونمارسها في بيوتنا ومجالسنا وفي ترحالنا وفي ضيافتنا وفي كلامنا ، وحتى في طريقة صبّ القهوة حيث حمل دلّتها باليد اليسرى والفنجال باليد اليمنى ، وفي طريقة جلوسنا وإشاراتنا والصفات التي نتحلّى بها من شجاعة وكرم ونخوة وشهامة ومثلها من قيم جميلة هي من تراثنا الذي بات الآن الكثير من الآباء والأمهات يضعون أيديهم على قلوبهم مخافة أن تختفي أو تندثر تلك العلامات والآداب ( السَّنع ) في خضم تطور العلوم وتعدد الثقافات ومانتج عنها من التداخل القيمي وتأثير ظواهر الاغتراب ووسائل التواصل و( الميديا) على أبنائهم و( سرقتهم ) من المحاضن التي كانت هي مدارسنا قبل نشوء المدارس النظامية .
سانحة :
يطلق إخواننا المصريون على الإنسان ( الذرْب) صاحب ( السَّنع ) واللباقة في الكلام ، حلو اللسان ، المتخيّر أطايب الكلمات في تعامله مع الآخرين ؛ وصف ( الملافظ سُعد ) . ويُقال لمن لايحترم الناس ولايقف لهم عند التحية والسلام عليه : ( مبْ عرب ) كدلالة على انتفاء ( السَّنع ).