منشور في جريدة الشرق القطرية
ربما غداً أو بعده سيحلّ علينا ضيفاً عزيزا ومبهجاً يفرح به الكبار والصغار ، تعمّ به السعادة أرجاء الدنيا ، في شمالها وجنوبها ، شرقها كما غربها باعتباره من شعائر إسلامنا العظيم ، وستمتلأ الساحات وتغصّ المصليات بمن يركعون ويسجدون شكراً لله تعالى أن بلّغهم رؤية هذا الضيف السعيد وحلوله . الذي هو عيد الفطر المبارك ، يعلو فيه التكبير والتهليل ، وتتسامى أمامه قيم المحبة والتواصل ، وتسوده البهجة والسرور ، أو هكذا يُفترض لولا أن تمام كمال هذه الفرحة في عصرنا الأنكد باتت بعيدة المنال حيث أينما تلتفت ، يمنة أو يسرة تسمع صخب الجرائم والمذابح المروّعة التي تفتك بأرواح المسلمين وتغتصب أراضيهم وتنتهك أعراضهم وتشرّدهم من أوطانهم ، صرخاتهم واستغاثاتهم ودماؤهم وأشلاؤهم لم تعد تترك أن يكون مكان الفرح كاملاً لمن كان له قلب ينبض بالدين والإنسانية .
غداً أو بعده سينتابنا بمجرّد الإعلان عن ” عيد الفطر ” شعور غريب ، أقرب للمزيج من روح السرور مع حرارة فقْد شهر رمضان المبارك ، سيمرّ على مخيّلة الكثيرين منّا طيف الشهر الكريم ، شريط ذكرياته ، صلواتنا فيه ، صدقاتنا ، ختماتنا للقرآن الكريم ، تقصيرنا وتضييعنا لفرصه التي لاتكون إلاّ في رمضان .
في مساء العيد ستتبدّل الأجواء والآفاق التي كانت تتعبّق لياليه بخير الكلام وأجود التلاوات ، تصدح في سمائه أجمل التراتيل تتشنّف لأجلها الآذان وتهبّ منها نفحات ونسمات الإيمان . أفواج المصلين يؤدون خلال تلك الليالي صلاة التراويح ، وفي عشره الفضيلة يلحقونها بالقيام .
حتى الآخرين ممن يرون في شهر رمضان المبارك فرصة أو مناسبة للترفيه والسهر في المطاعم والمقاهي والمجمعات سيصيبهم ذات الشعور ، شعور فقْد أسعد الشهور ، وتغيّر اللحظات الجميلة التي تكتسي حيوتها وسعادتها أحاسيس الناس ومشاعرهم في رمضان .
أما فضائياتنا ووسائل إعلامنا التي تتديّن في رمضان وتلبس كثير منها الالتزام وتضع ( برقع ) الحياء على برامجها ومسلسلاتها بما فيها الفضائيات المعروفة بنشر ثقافة الانحلال أو الدعوة إليه والترويج لصنوف شتى من ألوان الفساد وسوء الأخلاق . كلّها سيحلّ عليها منذ اليوم لرحيل رمضان شعور آخر قائم على الفقْد ، بغض النظر عن نوعية مفقودهم . إنها بركة شهر الله وتميّزه عن بقية الشهور والأيام بالروح التي تسري في الدنيا بقدومه وتنتشر في أيامه ولياليه ، تغيّر نمط وممارسة عيشتنا خلاله ؛ حتى إذا ما رحل أحسّ الجميع – الرجال والنساء ، الصغار والكبار ، الملتزمون وغير الملتزمين ، الصائمون وغير الصائمين – بلحظة وداعه وأثر رحيله وشعور فراقه . وكل عام وأنتم بخير .