هي كلمة يونانية معناها لا مكان أو المكان الذي لا وجود له . أبتدعها الفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون، وأعتبرها هي مدينة الفضيلة ، وألّف فيها كتابه الذي حمل عنوان ” الجمهورية ” حيث افترض فيه إن سكان يوتوبيا هم من ” طين السماء ” وهم الصفوة الذين يرهقون ذواتهم لتذوب في الذات الجمعية . ورأى الناس في هذه المدينة سواء في كل ما يكتسـبون ويملكون ويحتاجون إليه ، يسـتلمون حقـوقهم ويؤدون واجباتهم ، ويعيشون أحراراً ومتساوين أمام القانون.
وقرر إفلاطون في كتابه أن الدولة نظام وضعي يقوم على الاتفاق والتعاقد بين الأفراد بغية الوصول إلى أهدافهم . وهو يحبذ في الدولة مبدأ التخصص وتقسيم العمل ومن أجل ذلك قسّم المواطنين في جمهوريته إلى فئات أو طبقات ثلاثة وهي: 1- طبقة المنتجين وينحصر عملها في تأمين ما يحتاجه المواطن .2- طبقة المحاربين وتقوم بعبء الدفاع عن الدولة .3- طبقة الحكام ومهمتها الرئيسية السهر على المصلحة العامة وفي نظر إفلاطون أن هذه الثلاث طبقات متساوية وإنما قصد أن ينتمي المواطن إلى الطبقة التي تعدّه مؤهلاته إليها وذلك شرط ضروري يمكن جميع مواطني الدولة من التمتع بالخير والسعادة.
وسرعان ما استحوذت فكرة المدينة الفاضلة على فكر وأحلام الأدباء والمفكرين والفلاسفة حتى غدت أمنية يرسمون ملامحها في خيالاتهم ويخصصون لها غزير أقلامهم ؛ فجاء الفارابي ورسم دنياه المثالية من خلال كتابه ” المدينة الفاضلة ” ثم لحق به العديد من العباقرة والفلاسفة ، ومنهم ” توماس مور ” في كتابه ” يوتوبيا ” و أعقبه بعد ذلك ” توماس كامبانيلا ” في كتابه ” مدينة الشمس ” و بعده ” فرنسيس بيكون ” في كتابه ” اطلنطس الجديدة ” و أيضا ” ايتين كابي ” الذي سمّي مدينته المثالية ” إيكاريا ” في كتابه “رحلة إلي إيكاريا “. وغير هؤلاء من الحالمين بأنه ثمة عالم آخر يمكن أن تسود فيه الأمانة والصدق وتتحقق فيه العدالة والمساواة حتى أن الشاعرة العراقية نازك الملائكة جادت قريحتها الشعرية بهذه الأبيات:
ويوتوبيا حُلمٌ في دمي أموتُ و أحيا على ذكره تخيّلتُه بلداً منْ عَبير على أفق جرتُ في سرّه هنالك عبرَ فضاءٍ بعيد تذوب الكواكب في سحره هنالك حيثُ تذوبُ القيود وينطلق الفكرُ من أسره وحيثُ تنامُ عُيونُ الحَياة هنالك َتمتدّ يوتوبيا ويوتوبيا حَيثُ يَبقي الضّياء ولاتغربُ الشّمْسُ أو تَغلَسُ وحيثُ تَضيْعُ حُدودُ الزّمان وحيثُ الكَواكبُ لاتنْعَسُ هناك الحَياة امتدادُ الشّباب تفورُ بِنشْوتهِ الأنفُسُ هناك يَظِلّ الّربيعُ رَبيعا يُظلّلُ سُكّانَ يوتوبيا
بقي أن نشير إلى أن أفلاطون قد أوضح في كتابه الذي ألفه قبل مئات السنين عن مدينته الفاضلة أنه يصعب آنذاك إقامتها على الأرض ، وأن مكان تلك المدينة السماء ، وربما كان يقصد سماء المثل والأخلاق والقيم العليا التي ضاعت وتبددت في عالمنا ، فحلّ مكانها الكراهية والظلم والغدر والخبث والخيانة والنفاق وما شابهها من صفات قبيحة دكّت البنية الأساسية لرفعة المجتمعات وحيويتها وجعلت منها مدن صالحة لكل شيء إلا الفضيلة التي قرر إفلاطون منذ ذاك العهد أنها ” يوتوبيا ” أي المكان الذي لا وجود له.