جرت في نهاية الأسبوع الماضي مناسبتان يجدر بنا التوقف عندهما والنظر إلى دلالتهما لأنهما جاءتا في توقيت يجري الكلام فيه عن أزمة اقتصادية متفاقمة ويُقال أنها – ربما غير مسبوقة . ولذلك ، أي بسبب تلك الأزمة تم اتخاذ العديد من الإجراءات الخاصة بضبط الإنفاق وترشيده ومعها شدّ الحزام ونسى معها الناس أي كلام عن زيادة في رواتبهم أو مزايا أو منح أو ماشابه ذلك مما قد تسهم في انتعاش آمالهم وتحقيق طموحاتهم في تحسين سويّة معيشتهم وإعانتهم على تجاوز مصاعب تزيد ولاتنقص .
الأزمة الاقتصادية خيّمت على مشاعر المواطنين وصارت سبباً جاهزاً وسريعاً للرد عليهم تجاه أية مطالبات يتمنونها مثلما أصبحت مبرراً لسياسات رفع الدعم عن اللحوم وارتفاع أسعار البنزين . وبرزت الحالة الاقتصادية السيئة كشمّاعة يتم التذكير بها واستخدامها في كل وقت يشتكي فيه المواطنون من قصْر ذات اليد ويُطلب منهم عدم ( التحلطم ) وضرورة التأقلم مع الوضع الاقتصادي الراهن الصعب تماشياً مع إجراءات الدولة ووقوفاً معها في هذه المحنة الاقتصادية . في هذه الأجواء أيضاً ، زادت رسوم على المواطنين ، وزاد معها الكلام أو الإشاعات عن زيادات أخرى وإجراءات وتعديلات ستطال كذا وكذا ، حتى تقاعد الموظفين لم يسلم من هذه الإشاعات.
خلاصة الأمر إننا نعيش في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة ، تتفاقم فيها المديونيات وتتعاظم العجوزات تستلزم تضافر الجهود من أجل صناعة القناعات بوجود هذه الأزمة ، وبالتالي صناعة القناعات بأن هذه الإجراءات التقشفية وضبط الإنفاق لاتستهدف جيوب المواطنين ، ولاتقتصر عليهم ، ولا يتضرر منها ذوي الدخل المحدود فقط ، وإنما هي إجراءات عامة تطال الجميع بلااستثناء.
صناعة القناعات تستلزم أن تكون الإجراءات المتعلقة بشدّ الحزام على الكبير قبل الصغير ، وأن تُوجه لوقف الهدْر ومكافحة الفساد وملاحقة ( الحنفيات ) المفتوحة قبل توجيهها نحو إجراءات يرى كثيرون أنها غير كافية لإقناعهم بأن هنالك أزمة اقتصادية وأزمة عجوزات ومديونيات .
المناسبتان اللتان أعنيهما هما : الأولى : الحفل السنوي المعتاد بصدور تقرير ديوان الرقابة الذي احتوى كما العادة على أوجه فساد وهدْر و( لعْب) بالمال العام يتجاوز في المحصلة خانة الملايين من الدنانير كان بالإمكان الاستفادة منها أو الاستعاضة بها عن كثير من إجراءات ترشيد الإنفاق ورفع الدعم وفرض رسوم وزيادتها . والمناسبة الثانية : هي فعالية ( هذه هي البحرين ) المقامة في إيطاليا بمشاركة مايقارب (200) شخص من وزارات وهيئات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني . ولكم أن تتصوّروا حجم تكاليف سفر وإقامة هذا العدد الكبير- أكرّر (200) شخص – وحجم المبالغ المصروفة على هذه الفعالية التي يصعب تصوّر قيمتها في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من أزمة اقتصادية خانقة .
صناعة القناعات لدى الناس بإجراءات مواجهة الأزمة الاقتصادية تحتاج أولاً إلى جدّية التعامل مع هاتين المناسبتين ومثلهما والبدء بها قبل أن تتوّجه إلى أمور أخرى تضيق على الناس في أرزاقهم ومعيشتهم .
سانحة :
في الواقع من يقرأ تقرير ديوان الرقابة ويتابع فعالية ( هذه هي البحرين ) في إيطاليا لايمكن إقناعه بأننا نعيش في ظروف أزمة اقتصادية طاحنة .