ما رأيتُ من الناس أحداً يحبّ أحداً كحبّ أصحاب محمد محمداً !! هذه مقولة أنطقها الله سبحانه وتعالى على لسان أحد صناديد قريش ، وهو أبوسفيان . في الحادثة المرويّة في تاريخنا الإسلامي المجيد حينما قدّم مشركو قريش الصحابي الجليل زيد بن الدثِنّة ليضربوا عُنقه ؛ وتقدّم إليه أبوسفيان ( وكان حينها مشركاً ) وقال له : أنشدك الله يا زيد أتحبّ أن محمداً الآن في مكانك تُضرب عُنقه ، وأنت في أهلك ؟ فقال زيد : والله ما أحبّ أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تُؤذيه ، وإني جالس في أهلي . فقال أبو سفيان عبارته المشهورة : ما رأيتُ من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً .. ثم قتلوه رضي الله عنه شهيداً .
ويُروى أيضاً أنه حينما فرغ الناس لقتلاهم يوم أُحُد ( بعد غزوة أحُد ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ؟ أفي الأحياء أم في الأموات ؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال : يا سعد بن الربيع ، مرة بعد مرة ، فلم يُجبه أحد حتى صاح : يا سعد بن الربيع ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني أنظر ماصنعت ، فأجابه سعد بصوت خافت ضعيف .. فنظر إليه محمد بن مسلمة فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق . فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظـر ، أفي الأحياء أنت أم في الأموات ؟ قال سعد : أنا في الأمـوات ، فأَبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام ، وقل له : إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنّا خير ماجزى نبياً عن أمته ، وأخبره إني قد طُعنت اثنتي عشرة طعنة ، وإني قد أنفذت مقاتلي .
ثم قال سعد بن الربيع لمحمد بن مسلمة : أبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم : إن سعد بن الربيع يقول لكم : إنه لاعذر لكم عند الله ، إن خلُص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف. ثم لم يلبث أن قضى شهيداً رضي الله عنه .
ولم يقف هذا الحبّ عند أصحابه صلى الله عليه وسلّم ؛ بل غدا حبّه دين يتعبّد به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها إلى قيام الساعة ، تُخنق العبرات عند ذكره ، و تُذرف الدموع عند زيارة مسجده وقبره عليه الصلاة والسلام ، والمساس بمقامه دونه خرق العتاد. واسمه تربّع على قائمة أكثر الأسماء شيوعاً على مستوى العالم ، بل إن شعوباً بأكملها تسمّت باسمه عليه الصلاة والسلام وصار اسم ( محمد ) يسبق اسم كل شخص فيها .
إن حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالنسبة للمسلمين إنما هو عبادة يتقرّبون بها إلى خالقهم ومولاهم سبحانه وتعالى . وقد روى الإمام البخاري ، قال صلى الله عليه وسلّم : ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين” حتى أجمع المؤرخون أن لاشخصية في مشارق الأرض ومغاربها وعلى مرّ الأزمان حتى يومنا هذا اكتسبت هذا الحب والالتفاف حولها والذود عنها وفدائها كما الرسول عليه الصلاة والسلام .
وفي عبق ذكرى مولد خير البشرية عليه الصلاة والسلام تختلف الاحتفالات وتتنوع مشاهد إحياء المناسبة لكن يبقى الأمر الحاضر عند الجميع هو الالتفاف حول محبته وإن تنوعت ممارسات التعبير عن هذا الحب . جمعية الإصلاح في البحرين أطلقت مبادرة حية في هذا الصدد ، أسمتها حملة ( واتبعوه ) مستفيدة مما تتيحه وسائل العالم الافتراضي وتحققه في وقتنا الحاضر من انتشار واسع بالإضافة إلى محاضرات ودروس علمية تعرف الناس على حياة النبي صلى الله عليه وسلم . شعار الحملة جاء من قوله تعالى “واتَّبِعُوْهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون” باعتبار أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب المسلمين إنما هي مرتبطة بطاعته واتباع سنته والتخلق بأخلاقه وهديه وشمائله صلى الله عليه وسلم. فشكراً لكل من أحيا ذكر مولده وحرص على أن يكون هذا الإحياء يصبّ في المزيد من اتباع سنّته وهديه عليه الصلاة والسلام.
سانحة :
كان إمام المحدثين، العالم المبجّل، سيدنا مالك رضي الله عنه وأرضاه إذا وصل المدينة المنوّرة ؛ خلع نعليه ومشى حافياً، معللا ذلك بأنه لا يدوس بنعله على تراب فيه جسد الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام، وكان الإمام مالك يقول: (عسى أن تمس قدمي حصاة مستها قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم).